الغضب الفلسطيني في الأراضي المحتلة في وجه الاحتلال وحده سيمنع ترامب

بقلم :عبد الباري عطوان


جميل أن يهدد مسؤولون في السلطة الفلسطينية بسحب الاعتراف بـ "إسرائيل" في حال إقدام الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب على نقل السفارة الأمريكية الى القدس المحتلة، ولكننا نحن الذين تابعنا العشرات من التهديدات، ومن كبيرهم الرئيس محمود عباس على مدى 12 عاماً من توليه منصبه هذا، ولم ينفذ أي منها، لا نعتقد أن هذا التهديد الأخير سيكون استثناء.
 
فإذا كان توطين 800 ألف يهودي في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وثلاث حروب على قطاع غزة، وعشرات الاقتحامات للمسجد الأقصى، وتقسيم الحرم الابراهيمي، وإعدامات جماعية للعشرات من الشباب والشابات من حملة السكاكين، لم تدفع الرئيس عباس، والمجموعة القليلة المحيطة به الى وقف، أو تجميد، التنسيق الأمني، فهل سيؤدي نقل السفارة الامريكية إلى سحب الاعتراف بدولة الاحتلال؟ لا نعتقد ذلك ونتمنى أن نكون مخطئين، لأن مسؤولي السلطة عندما يطلقون هذه التهديدات، لا يؤمنون بجديتها، ويدركون جيداً أنها لن تنفذ، والشعب الفلسطيني سريع النسيان، أو تعود على عدم الالتزام بها، لأن سحب الاعتراف بإسرائيل يعني عمليا سحب الاعتراف باتفاقات أوسلو، وكل ما ترتب عليها من مؤسسات واتفاقات وخطوات لاحقة، بما في ذلك السلطة الفلسطينية نفسها، واحتمال إبعاد جميع مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية وكوادرها الذين عادوا الى أرض الوطن بمقتضى هذه الاتفاقات.
 
بقاء السلطة الفلسطينية أكثر أهمية بالنسبة الى الرئيس عباس من أي شيء آخر، ولذلك سيبدأ وأعضاء سلطته منذ الآن في البحث عن تبريرات لعدم تنفيذ هذا التهديد، مثل الضغوط الدولية، والحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني الذي تتزعمه السلطة، وعدم ملائمة الظروف العربية والدولية لاتخاذ خطوة كهذه.. الى آخر قائمة الذرائع التي حفظناها عن ظهر قلب.
 
نحن، كنا وما زلنا،  ضد الاعتراف الفلسطيني بدولة الاحتلال الإسرائيلي منذ البداية، ولا نعترف، ومثلنا الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، بهذا الكيان الغاصب في ظل غياب السلام العادل والمشرف الذي يرتكز على الثوابت الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية جميعاً، وقبل أن يسمع أحد بترامب، أو يتصور وصوله الى البيت الأبيض، ولذلك لن نتردد مطلقاً بتأييد هذا التهديد الصادر عن السلطة، ولكن من كثرة خيبات الأمل التي حلت بنا من جراء خذلان هذه السلطة لنا، وللشعب الفلسطيني بأسره، فقدنا الثقة بها، ووعودها، وبتنا ننظر اليها، والى تهديداتها بإزدراء، وعدم اهتمام.
 
بعد عشرة أيام سيتولى ترامب زمام السلطة عملياً في أمريكا، فهل خرجت مظاهرة واحدة احتجاجاً على تصريحاته هذه من قبل حزب السلطة، أي حركة "فتح" التي صفق أعضاء مؤتمرها وقوفاً للرئيس عباس أكثر من خمسين مرة، وسط هتافات بحمايته بالروح والدم نفديك يا عباس؟
 
هناك أكثر من 150 ألف موظف يتقاضون راتباً شهرياً من السلطة، وإذا افترضنا أن متوسط عدد أفراد كل عائلة فلسطينية خمسة أفراد، ونحن نتحدث هنا عن الأبناء والبنات، وليس عن الأحفاد، فإن هذا يعني أن هناك ما يقرب من المليون إنسان يمكن أن ينزلوا الى الشوارع في مظاهرات احتجاجية بإشارة من معيلهم، فلماذا لا يطلب الرئيس عباس من هؤلاء التحرك فوراً وإسماع احتجاجاتهم على نقل السفارة الأمريكية لـ ترامب والعالم بأسره.
 
الدكتور محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" الذي أطلق هذا التهديد اليوم، وهو رجل جاد مثلما نعرفه جيداً طالب المساجد في الشرق الأوسط يوم الجمعة المقبل برفع الآذان، والكنائس بقرع الأجراس، رفضاً واحتجاجاً، ولكن لماذا يريد من الآخرين أن يتحركوا بينما السلطة قابعة في مقاطعتها لا تفعل شيئا، وكذلك أعضاء حزبها وشعبها؟
 
نقول لكم لماذا لا يريد عباس تحريك المئة وخمسين ألفاً من موظفي سلطته، أو الإيعاز لهم للنزول الى الشوارع للاحتجاج.. إنه لا يريد إغضاب إسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو أولاً، ولأنه يدرك أن سلطته لن تستمر ساعة واحدة بعد سحب الاعتراف ثانياً، ولأنه يخشى من عدم قدرة رجال أمنه على السيطرة على المتظاهرين ثالثاً.
 
رفع الآذان من المساجد وقرع أجراس الكناس أمر جيد، لكنه لن يمنع ترامب من نقل السفارة الأمريكية، الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنعه هو انفجار بركان الغضب الفلسطيني في الأراضي المحتلة في وجه الاحتلال في انتفاضة حقيقية يلجأ جنرالاتها الى كل الخيارات المتاحة، وتبث حالة من الرعب في صفوف الاحتلال، وتجعل وجوده مهدداً فعلياً، وكلفة احتلاله عالية.
 
أما كثرة التهديدات الفارغة من أي مضمون فتذكرنا بقصة راعي الغنم الكذاب والذئب التي كانت تقصها علينا أمهاتنا وجداتنا قبل النوم، لعلنا نعتبر من حكمتها، ويبدو أن الرئيس عباس والمحيطين به كانوا يستمعون الى قصص وحواديث أخرى.
 

 

2017-01-11