من يوقف هذا العبث..؟!!

 

لم تكن الإهانة التي تعرض لها عمدة لندن من الرئيس ترامب هي الشيء الوحيد المشين في زيارته الحالية لبريطانيا، خصوصاً بعد أن بات ضيفاً ثقيل الظل أينما حل على حلفائه قبل خصومه، ولا تكاد زيارة له تتم من دون مغالطات وتجاوزات دبلوماسية وحتى سياسية، حيث لا يتردد في الدخول طرفاً في الشأن الداخلي للجميع، ويتخذ مواقف تُحرج من يناصرهم أكثر مما تربك من يناصبهم العداء.
فخروج عشرات الآلاف احتجاجاً على زيارته إلى بريطانيا التي لم يسبق أن شهدت في تاريخها اعتراضاً على زيارة رئيس أميركي، تبدو رسالة حمالة أوجه بمعايير السياسة البريطانية التي كانت على الدوام أكثر الدول الأوروبية التصاقاً بالسياسة الأميركية وساعي بريد لحروبها المختلفة في العقود الأخيرة.
المشكلة هي أن ترامب بات مشكلة بحد ذاته، سواء في مخاصمته أم إذا اقتضى الأمر التحالف معه، وبات مصدر خطر على الاستقرار العالمي وفق توصيف العديد من الخبراء الدوليين، كما يشكل تهديداً لجميع دول العالم، سواء تلك التي مارس عنجهيته السادية ضدها أم تلك التي أغدق في مديحها، باعتبار أن انتقاده كما إشادته يقدمان عشرات الأسئلة المثيرة للشبهات والتي تغرق العالم في دوامة من الحسابات الجانبية التي عجز الكثيرون عن مجاراتها..!!
مايقدمه بات نموذجاً غير مسبوق للرؤساء الأميركيين، وإن لم يكن خارج سياق المفهوم الأميركي للتفرد في قيادة العالم، والقطبية الأحادية وحالة الاستلاب التي بدت في كثير من الأحيان ناتجاً فعلياً لعلاقة التبعية التي صبغت كل من حاول التحدث مع الأميركيين أو فكر في تلك العلاقة كبيراً كان أم صغيراً .. الحليف منهم والخصم ..الصديق والعدو.
فالشرخ السياسي الذي عمقه في العلاقة مع القوى والأحزاب البريطانية لم يقتصر على التطاول الذي تناول فيه عمدة لندن والعنصرية التي تفوه بها، بل تعداه إلى وضع ثقله ليكون طرفاً مرجحاً للخروج البريطانيمن الاتحاد الأوروبي، كما ظهر كنصير لوزير الخارجية السابق ضد منافسيه في تطور يفضح المشهد البنيوي الذي يعممه السلوك الأميركي في الغرب الاستعماري، والاحتكار الذي زيّف شعاراته على مدى قرون طويلة.
قد لا يكون المشهد غريباً عن السلوك الأميركي، ولا بعيداً عن مشاهد الهيمنة التي مارسها، لكن الفارق أنها تظهر للعلن، وما كانت تخفيه الدوائر الأميركية يُظهره ترامب بفجاجة لم تعتد عليها السياسة عموماً ولا أصول التعامل في العلاقات الدولية بمختلف صنوفها واتجاهاتها ومدارسها.. القديم منها والجديد، وإن كان في نهاية المطاف يتوّج أحد أخطر الظواهر في القرن الحادي والعشرين.
ما يراهن عليه ترامب هو إعادة تشكيل العالم وبسط نفوذه والتحكم بمسار العلاقات الدولية، باعتبارها الناتج الوحيد الذي يمكن التعويل عليه لتأكيد الفظاظة الأميركية، التي كانت سارية المفعول في الأقبية السرية والغرف المغلقة، حيث يصعب معها فهم سلوكيات ترامب من دون النبش في ذاكرة الممارسات التي شكلت الذاكرة الجمعية للعالم عما قامت به في السر، ليبقى السؤال المعلق: من يوقف هذا العبث، ومن يطفىء الحرائق التي يشعلها، والأخطر والأصعب والأكثر إلحاحاً من بمقدوره أن يتحمل كل هذه التراجيديا العنصرية وما يلحق بها من تهور؟!!

2019-06-05