في عيدهم.. عمّالنا جند أوفياء ورديف للجيـش.. ينتجون بيد ويدافعون عن الوطن باليد الأخرى


 

يحضرني مع حلول عيد الطبقة العاملة ذلك الصمود المذهل لعمالنا في مواقع العمل كتفاً بكتف مع جيشنا الباسل في الجبهات الأشد سخونة، وبينما الإرهاب يحيطهم من الجهات الأربع على تخوم جوبر في الشركات العامة للغزل والنسيج، وحجم المعاناة التي عاشوها، وكان لي شرف مشاركتهم في يوم عمل شاق للوقوف على واقع العمل في الشركة العربية المتحدة (الخماسية)، كان ذلك مطلع العام 2016، والإرهاب في تلك المنطقة كان على أشده، حين استمات الإرهابيون بهجمات وحشية ومحاولات متتالية على العاصمة دمشق، حيث قادنا مرافقنا للوصول إلى الشركة الخماسية من جهة الشمال، وأوتوستراد دمشق مقابل جبهة القابون المشتعلة عبر طلاقيات وممرات أحدثها الجيش في مبنى هيئة المواصفات والمقاييس بين الغرف لبلوغ الطريق المؤدية للشركة وسط سواتر ترابية من التراب وباصات الشركة العامة للنقل الداخلي التي أحرقها الإرهابيون، حيث تتوزع ولمسافة 500 متر شواخص كتب عليها منطقة مقنوصة، هذه الطريق يقطعها العمال يومياً مشياً على الأقدام وسط وحول الشتاء وحرارة الشمس، ووسط لهيب المعارك وقذائف الحقد، وينامون في الشركة أياماً في عمل متواصل، بينما الجيش يسهر على حدود الشركة.
هذه الحال عايشها عاملونا في شركة الألبسة الجاهزة «وسيم» الذين لم ينقطعوا عن العمل ساعة واحدة وسط قذائف الحقد التي كانت تمطرهم بها، وراح ضحيتها خمسون عاملاً بين شهيد وجريح بعاهات دائمة، وعمال شركة «أمية» والشركة العامة للصناعات الدوائية «تاميكو» التي تعرضت لأكثر الهجمات الإرهابية وحشية ولم تتوقف عجلات آلاتها عن العمل، وبقي صوتها يعلو صوت أزيز قذائف وصواريخ الحقد، وبقيت تلك الشركات شاهدة على تحرير الجيش للمليحة، وقدمت تلك الشركات العديد من الشهداء والجرحى لتبقى ترفد المشافي العامة والجيش بالألبسة والحرامات والقطن الطبي والشاش والدواء، ولم تتوقف عن العمل لحظة واحدة في ظروف عمل أشبه بالمستحيلة، كما كان لـ«تشرين» شرف الوقوف على واقع العمال في شركات السجاد الصوفي في دمشق التي سيطر عليها المسلحون واندحروا عنها تحت ضربات الجيش، ليعود عاملوها وينفضون عن آلاتها وأنوالها غبار ودمار الإرهاب بسواعدهم وخبراتهم الذاتية، وبقيت تنسج علم الوطن عالياً خفاقاً، وليعاودوا الإنتاج، وكذلك شركة «بردى» للصناعات المنزلية والبرادات التي نهضت بجهود وتضحيات عمالها بعد أن دمرها الإرهاب، وغيرها الكثير من الشركات والمؤسسات العامة الاقتصادية العاملة في مجال توليد وتوزيع الطاقة التي استبسل عمالها في إصلاح أعطال الشبكات الكهربائية في أكثر المناطق سخونة بما يوفر الطاقة الكهربائية قدر المستطاع، وقدموا خلالها التضحيات الجسام شهداء ومصابين على مذبح الوطن.
في كل مواقع العمل أثبت العمال أنهم الجنود الحقيقيون والرديف المهم والداعم للجيش من خلال تشبثهم بمواقع العمل ومواظبتهم بشكل يومي على الدوام رغم صعوبات النقل وتوقفها بعد استهداف الإرهابيين حافلاتهم، وذلك لثنيهم عن معاملهم، فكان ردهم على الإرهاب بالحضور في المواعيد المحددة لمواقع العمل بكل الوسائل المتاحة لهم، وباستخدام الدراجات والسير أحياناً على الأقدام غير آبهين بالقنص والقذائف، ومنهم الكثيرون الذين قضوا شهداء وجرحى ومعوقين، والكثيرون منهم ينامون في مواقع العمل وينتجون بيد ويدافعون عن مصانعهم باليد الأخرى، وحملوا السلاح وسهروا من دون كلل أو ملل على مدار سنوات الحرب الكونية على سورية، يواجهون الحصار بحصار، ويعمدون إلى نفض ركام الإرهاب عن منشآتهم وإصلاحها بالاعتماد على خبراتهم الذاتية، لكي تبقى تلك المصانع تنتج وترفد الأسواق بمختلف السلع والمنتجات الوطنية بعد أن تخلى بعض رجال المال من القطاع الخاص عن العمل والهروب بمصانعهم إلى الدول المجاورة، وأغلقوا منشآتهم وسرّحوا عمالهم وتركوهم عرضة للحاجة والعوز، بينما بقيت شركاتنا العامة تحتوي عاملينا وتدفع رواتبهم برغم توقف بعض الشركات وخروجها من الخدمة بفعل الدمار والإرهاب..
فكل عام وطبقتنا العاملة بخير.. وكل عام وعمالنا صامدون يصنعون وينتجون ليبقى الوطن منيعاً وليبقى أبناؤه يأكلون مما يزرعون ويلبسون مما يصنعون.

2019-04-30