اقتصاد الحلِّ السياسي

بقلم: زياد غصن

كل تفصيل في الحرب الإرهابية على بلدنا وتصدينا لها كان له ثمن اقتصادي..أو لنقل: كان له أثر اقتصادي ما.

وهذا الأثر، غالباً ما كان يعبر عنه خلال الفترة الماضية بأرقام وبيانات إحصائية تحاول رصد حجم الخسائر، التي تكبدها الاقتصاد السوري بسبب الحرب.

لكن كما أن للحرب تكلفة اقتصادية باهظة، فإن لإخمادها أيضاً تكلفة اقتصادية ليست بالقليلة، سواء تم ذلك بطرق عسكرية أو سياسية.

وعادة ما تتم الاستعانة بحجم الإنفاق العسكري المباشر للدول، من دخل الموازنة أو من خارجها، للإشارة إلى تكلفة مواجهة تلك الدول للحروب والنزاعات.

لكن هناك دائماً جانب آخر غير منظور، ويتعلق بجهود التسوية والحل السياسي..

في سورية بُذلت جهود كثيرة لتجنيب مناطق عدة خيار العمل العسكري، بدءاً من الشروع بمفاوضات مع المسلحين لتسوية أوضاعهم، إلى القبول بمناطق خفض التصعيد، فدعم الجهود الأهلية.. وهذه كلها مسارات سياسية كان لها تكلفة اقتصادية.

فمثلاً، ترحيل الإرهابيين الرافضين للتسوية إلى محافظة إدلب، وهو المشهد الذي أرّخ لبداية مرحلة جديدة في تاريخ الحرب على سورية، كلّف تنفيذه الدولة السورية ما يقرب من 1,7 مليار ليرة سورية..

نحن هنا نتحدث عن جزئية بسيطة تمت في سياق تنفيذ اتفاقيات تسوية ومصالحة، وترتب عليها هذا الرقم.. فكيف الحال مع الخطوات الأخرى، التي اتجهت -أو تتحضر للاتجاه- نحو ترسيخ حالة الاستقرار المجتمعي في المناطق المحررة على المدى القريب أو المتوسط، وتدعيم ثقة الأفراد بخيار الدولة؟.

إن أي مشروع سياسي يتم السير به لمواجهة الحرب، بشكل مباشر أو غير مباشر، لابد أن يكون مشفوعاً بحامل اقتصادي، يضمن له حسن التنفيذ من جهة، والاستمرارية من جهة أخرى.

لذلك هناك قناعة أكيدة لدى أغلبية السوريين مفادها أن خروج البلاد من دائرة الحرب مدخله اقتصادي بحت، وهي مهمة ليست بالسهلة مع اقتصاد تعرضت منشآته الإنتاجية للتدمير والتخريب، وموارده وثرواته للنهب والتهريب، وقطاعاته للحصار الاقتصادي الجائر..

ولهذا تعمد بعض الدول لإفقاد الدولة السورية حاملها الاقتصادي من خلال:
– عرقلة استعادة سورية لمكانتها الجيو اقتصادية في المنطقة، من خلال الحيلولة دون التواصل الجغرافي لدمشق مع دول الإقليم كالعراق والأردن، ودعم المطامع التوسعية لتركيا في الشمال والشرق السوريين.

وعليه، فإن التزام المجتمع الدولي بوحدة الأراضي السورية وسيادتها، يجب أن يقابله التزام واضح وصريح بالعمل على تمكين الدولة السورية من استعادة مكانتها الجيو اقتصادية في المنطقة.

– المشروع الآخر الذي يعمل عليه الغرب يتمثل في تشديد الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية منذ بداية الحرب، بحيث تحول دون حدوث انتعاش اقتصادي داخلي يدعم حالة الاستقرار المستعادة تدريجياً، ويعزز من استقلالية القرار السوري.

وما مشروعات الإدارة الأمريكية الأخيرة إلا جزء من ذلك المشروع القديم الجديد.

وبذلك يكون الاقتصاد السوري قد انتقل من مرحلة دفع تكلفة مواجهة الحرب العسكرية، إلى مرحلة مواجهة المزيد من الحصار الخارجي.. وهي مرحلة متوقعة أو يفترض أن تكون كذلك، وتالياً فإن إدارة المرحلة الجديدة-اقتصادياً-يجب أن تتم بشكل مختلف عن السابق.

 

2019-01-28