جعجعة بلا طحين…

بقلم: محمد كنايسي

قرار الحكومة البريطانية اعتبار حزب الله منظمة إرهابية ليس مفاجئاً من دولة كانت وراء مأساة فلسطين، واستمرت في دعم الكيان الصهيوني بكل الوسائل. ومن الواضح أنه قرار سياسي اتُخذ لمصلحة الصهاينة الذين يشكّل حزب الله بالنسبة لهم كابوساً مرعباً يلاحقهم ليل نهار، وأن الحجة الأساسية التي قُدّمت لتبريره وهي: “محاولات الحزب زعزعة الاستقرار الهش في الشرق الأوسط” حجة فضفاضة وواهية ولا صحة لها في الواقع أبداً. ولعل هذا ما دعا حزب العمال البريطاني المعارض إلى مطالبة الحكومة بتقديم الأدلة التي تبرر قرار توسيع حظر الحزب ليشمل جناحه السياسي.

الحكومة البريطانية لا تملك طبعاً دليلاً حتى تقدمه. ومن ناحية قانونية بحتة، لا يحق لأي جهة كانت اتهام الحزب بالإرهاب دون دليل، ولم يُعرف عن بريطانيا خلال تاريخها الاستعماري الإجرامي الطويل وحتى الآن أي حرص على استقرار المنطقة. على العكس زرع الاستعمار البريطاني فيها كل بذور المشكلات التي ستُبقيها في حالة من الاضطراب والتوتر الدائمين، وأولهما تقسيم المشرق العربي، وتقديم فلسطين لقمة سائغة للصهاينة، ثم دعم كيانهم الغاصب، وصولاً إلى محاولة خنق حركات المقاومة التي تتصدى لهذا الكيان وتحاربه، مع أن مقاومة الاحتلال حق مشروع لا خلاف قانونياً ولا أخلاقياً عليه، لكن بريطانيا، على غرار الولايات المتحدة، وفي إطار “انصياعها الذليل” لواشنطن كما جاء في رد الحزب، لا تتورّع عن اعتبار مقاومة “إسرائيل” إرهاباً، وهذا هو الدافع الحقيقي غير المُعلن للقرار. من الطبيعي وهي تنظر إلى دور حزب الله من زاوية المصالح الاستعمارية الغربية والصهيونية البحتة، أن تقول بريطانيا عن الحزب ما قالت، وأن تزوّر الحقيقة تزويراً كاملاً، فيصبح دور الحزب في سورية، وهو المثال الأبرز على هذا التزوير، دوراً مؤججاً للأزمة ومعرقلاً للحل السياسي، بل ومزعزعاً للاستقرار في المنطقة، والحال أن دور الحزب في سورية هو على العكس تماماً دور بنّاء للمساعدة في محاربة الإرهاب التكفيري، وإفشال مشروع إسقاط الدولة وتخريبها وإغراقها في الفوضى الهدّامة إلى ما لا نهاية، مما كان يعني لو تحقق ضربة قاصمة لاستقرار المنطقة، وتهديداً خطيراً للأمن والسلم الدوليين، لأنه كان سيفتح الباب على مصراعيه لانتشار الإرهاب، علماً أنه لا يحق قانونياً لبريطانيا ولا لغيرها الاعتراض على هذا الدور، لأنه جاء بموافقة من الدولة السورية، ما يجعله شأناً سيادياً يخص هذه الدولة وحدها، ولا يحق لأحد غيرها التدخل فيه.

خلاصة القول إن القرار البريطاني يندرج في سياق الحرب المستعرة بين تحالف الهيمنة الذي تقوده الولايات المتحدة، وتشكل بريطانيا شريكاً تابعاً فيه، وبين حلف الدول المستقلة التي تناهض هذا المشروع، وتضم قوى المقاومة في المنطقة، وهو شكل من أشكال الضغوط يتم اللجوء إليه – يُنتظر أن تحذو بعض الدول الأخرى كأستراليا حذو بريطانيا – بعد أن تمكّن حلف المقاومة في المنطقة من ضرب المشروع الأمريكي الصهيوني وأداته الإرهابية. لكن هذا الضغط سيلقى مصير غيره من الضغوط ولا سيما الضغط الاقتصادي، ولن يتمكن من تغيير الحقيقة التي تفرض اليوم نفسها بقوة على الجميع، وهي أن هذا الحلف ينتصر على الإرهاب وداعميه الغربيين والصهاينة والرجعيين، وأن هذا الانتصار يصب على الصعيد الدولي في خدمة هدف القضاء على الهيمنة الأمريكية، وإنقاذ العالم من آثارها الكارثية…

قرار هو من حيث آثاره العملية جعجعة بلا طحين، ولن يزيد الحزب وحلف المقاومة إلا مزيداً من الإصرار على مواجهة قوى الاحتلال والهيمنة والغطرسة والإرهاب وفي مقدمتها أمريكا والكيان الصهيوني.

2019-03-04