الجزرة الأميركية..!!


بقلم: علي قاسم
يكثر الحديث عن التفاهمات الأميركية التركية التي بدت وكأنها على أنقاض ما تم الاتفاق عليه في سوتشي، وتروّج الدوائر التركية والأميركية معاً لجملة من السيناريوهات المتناقضة في الشكل، فيما تتقاطع إلى حدّ التطابق في المضمون.

وجاءت اللقاءات التركية الأميركية العسكرية والدبلوماسية لاستكمال حلقة المتغيرات، حيث توّجها أردوغان باتصال هاتفي مع ترامب كانت مخرجاته التركية صورة طبق الأصل عن تمنيات رئيس النظام التركي، فيما اقتصرت أحاديث الجانب الأميركي على نوع من التفاهمات الجزئية لم تصل حدود الاتفاق، وإن كانت التسريبات على الأرض تشي بأن الحصيلة جزرة أميركية يتيمة قابلة للاستخدام المزدوج لا تغني ولا تسمن.

وبينهما تأتي المقاربات التي تنسل من الأدوات والمرتزقة لتعيد بناء جبل الأوهام وفق ما يتردد في أوساط منظومة العدوان، لترسم افتراضات أقل ما يقال فيها إنها وليدة جملة من التورّمات السياسية التي تحاكي في نهاية المطاف السيناريو الأميركي المتبدل، والذي يصبح على غير ما يمسي.

المعضلة في المشهد أنه يخضع لتجاذبات العلاقة مع التنظيمات الإرهابية ومهمتها الوظيفية، وكيفية الاستفادة من وجودها النفسي وفق فرضية الإبقاء الأميركي على وجودٍ رمزي يزيد من الارتباك الأوروبي، بدليل أن الفرنسيين والبريطانيين لا يزالون حبيسي تدوير الزوايا الحادة التي تتشكل على خلفية الهواجس من الفراغ النفسي الذي يتركه الأميركي خلفه.

الصورة التي ينقلها التركي ورئيس نظامه تبدو محكومة بالتشوهات التي يعانيها في محاكمته للأمور، حيث التمنيات التي تصبغ خطابه التعبوي تبدو فارغة من أي مرتكز على الأرض، تضاف إليها المبالغة، لكن ذلك لا يعني بالمطلق عدم التآمر مع الأميركي لإعادة صياغة المخرجات السياسية وفق تلك التمنيات.

المفارقة ليست في الصورة على ما فيها، وليست في الأحكام المسبقة، وإنما في التراجيديا التي يقدمها الخطاب التعبوي للنظام التركي المتخم باللغو والحشو، بحيث تبدو الخلطة السياسية فيه تشبهه في الشكل والمضمون، وتعكس واقعاً سياسياً مهتزاً ومرتبكاً وفي كثير من الأحيان مربكاً.

فالسعي الحثيث لالتقاط الإشارات الأميركية المتناقضة ترتسم في صورة المقاربة التي يقدمها النظام التركي كمخرجات افتراضية تواجه عوامل فنائها من الداخل والخارج، حيث الهروب إلى الأمام من مواجهة الاستحقاقات التي التزم بها وفق مخرجات سوتشي، تدفع به إلى اللحاق بالركب الأميركي، وإثارة زوبعة ملء الفراغ.

فالتركي الذي يتلقف الجزرة الأميركية يستمرئ الخداع السياسي والدبلوماسي وحتى العسكري، ويستخدم الجزرة ذاتها مع التنظيمات الإرهابية، ويصرّ على الاجترار من مواقع المتصيّد في المياه العكرة، حيث لا يكاد الأميركي يعلن عن تغيير.. حتى يأتي التركي ويركب الموجة التي ما تلبث أن تنقلب عليه، وهو ما ينسحب على الأوروبي وبقية الأدوات والمرتزقة.

 

2019-02-25