انحسار مفاعيل الاستلاب

 بقلم: علي قاسم

اعتادت الولايات المتحدة الأميركية في القرارات المنعزلة أن تجمع بعض الدول «المكروية» التي لا تستطيع العين أن تلحظها على خريطة العالم، كي لا تبقى اللوحة الأممية حكراً عليها دون سائر دول العالم مع ربيبتها إسرائيل، لكنها هذه المرة بدت عاجزة عن ضمان تصويت تلك الدول معها،
وبدت عارية أمام المجتمع الدولي، في أكثر القرارات الدولية التي تحوز الإجماع العالمي، لتبقى أميركا في دائرة هيمنتها التي بدت أنها تعاني تآكلاً سياسياً قد يكون الأكثر حضوراً ووضوحاً.‏

فالتصويت بأغلبية ساحقة على اعتبار أن الإجراءات الإسرائيلية في الجولان العربي السوري المحتل باطلة، لم يكن الأول ولا هو الأخير بالتأكيد، لكنه في هذا التوقيت وبعد التطورات العاصفة التي شهدتها المنطقة يمثّل رسالة بالغة في السياسة، كما أنها أكثر بلاغة في الدلالة على أن المحاولات الإسرائيلية ومعها الأميركية باءت بالفشل في استغلال الظرف السياسي، وأن المشهد ووضع الجولان العربي السوري المحتل لا يمكن أن تعدّل فيه السنوات، وأن الحق السوري البيّن في استرجاع الجولان لا يمكن أن يتغيّر بالتقادم.‏

على أن الأهم يبقى السياق السياسي الذي جعل أميركا تقف وحدها في صف الاحتلال، وحتى عدد الدول التي امتنعت عن التصويت قد انخفض عن السنوات الماضية، في إشارة واضحة وصريحة إلى أن النفوذ الأميركي بدأ ينحسر، وحالة الاستلاب التي اعتادت أميركا أن تستبيح عبرها الموقف الدولي تواجه ارتباكاً عبرت عنه السياسات الأميركية في ظل إدارة ترامب على نحو غير مسبوق، وتسجل تراجعاً لا بد أن يترك ارتداداته على مشهد التعاطي الأميركي مع الملفات الدولية، والتهور الذي بات السمة الأكثر بروزاً في ذلك التعاطي.‏

على المقلب الموازي كانت إسرائيل تواجه مأزقاً متجدداً في محاولاتها الرامية لتوظيف الدعم الأميركي باتجاهات خارج سياقها الطبيعي، والاستفادة من أجواء الاستباحة الأميركية للحقوق العربية، وتحديداً ما يختص منها بالقضية الفلسطينية وما يتم الترويج له عبر ما يسمى «صفقة القرن»، خصوصاً بعد أن مررت نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة، وبنت على ذلك ما اعتبرته ظروفاً مؤاتية للاتجاه نحو المباشرة بخطوات يُستشف منها التمهيد لضم الجولان السوري المحتل، حيث كان الإجماع الدولي صفعة للسياسة الإسرائيلية بعد الصفعة التي تلقتها من خلال إجهاض مخططها لتهويد الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان عبر الانتخابات الباطلة، عندما رفض أهالي الجولان المشاركة فيها واضطرت سلطات الاحتلال إلى إلغائها.‏

بهذا المعنى كان التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة تصويتاً مباشراً على رفض سياسة الحماية الأميركية لإسرائيل، وتحدياً لسياسة الاستحواذ على المنظمة الدولية، وفي قراءة إضافية فشلاً ذريعاً للتحشيد الأميركي الذي سبق مشروع القرار، والذي كان طقساً من طقوس السياسة الأميركية فيما يخص إسرائيل، تمارس خلاله الاستلاب والهيمنة، ولا تتردد في استخدام أساليب الابتزاز والمساومة الرخيصة تهديداً ووعيداً، لكنها على ما يبدو فقدت جزءاً من مفاعيلها، في أولى المؤشرات العملية على تآكل الهيمنة.. والقادم سيكون أعظم..!!‏

 

 

2018-11-19