نظرية المؤامرة في الشانزيليزيه

 


عن سابق إصرارٍ وترصّد لكل ما يحدث في الساحة الأوروبية- الفرنسية، وفي وجه كل مدّعٍ من أنصار (اللالنظرية المؤامرة).. دعونا نستعرض الأحداث الدامية ونعنونها بـ«المؤامرة الأمريكية العابرة للقارات والحدود»، التي لاتفرّق بين الصديق والعدوّ، مادامت سياسة واشنطن تقول: «أمريكا أولاً»..!!

ضرب وقمع واعتقالات، مئات المصابين، مئات الموقوفين، تعبئة للشرطة، سُحُب الغاز المسيل للدموع وإغلاق لبرج إيفل والمعالم السياحية والمتاجر لتجنّب أعمال النهب والسرقة، إزالة مقاعد الشوارع لكي لا تستخدم القضبان المعدنية في تمرّد السبت الأسود، و89 ألف رجل أمني تمّ نشرهم لتجنّب تكرار أحداث الفوضى التي وقعت يوم السبت الماضي.

عناوين الساعة السياسية الفرنسية لبداية أسبوع ثالث دامٍ، فهل ما وراء حالة التمرّد الارتفاع الطفيف لأسعار الوقود، وأن ابن الماكينة المالية العالمية هو ممثل للأثرياء فقط من دون بقية الشارع الفرنسي؟؟ أم إن ماكرون يقع مغشياً عليه بعد أن قرّرت أمريكا تقديمه أضحية مؤامرة ساهم المغدور في حياكة أول قطبة من ثوب الحداد الماكروني، الموظّف الذي تجرّأ على أسياده بعد أن اعتادت الحديقة الخلفية الأمريكية استقبال أتباعها من ساركوزي إلى هولاند إلى ماكرون.. فما الذي حدث اليوم؟؟

صحيفة «أوستريتش» النمساوية عنونت أخبارها «انتفاضة ضد ماكرون، باريس تحترق»، في حين تناولت صحيفة ألمانية الأحداث الفرنسية بسؤال: «هل هذه ثورة؟؟»…

لكن الكلمة الفصل للشارع الفرنسي المنتفض في وجه ماكرون بعد أن حرّكته «العصا السحرية» الأمريكية التي ستودي برأسه إلى حتمية المقصلة السياسية، فقط لأن واشنطن قرّرت تفكيك أوروبا، ولفرنسا كان النصيب الأكبر، حيث مشكلاتها لا تقارن بحاضر الشارع البريطاني الذي قرّر الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ولا بسلبيات اقتصادية تكتنزها المؤسسات الألمانية، إثر استقبالها عدداً كبيراً من اللاجئين… وبالعودة إلى فرنسا التي عبّرت مجرد تعبير عن رغبتها في تشكيل جيش أوروبي، وعن رغبتها في استعادة استقلالها السياسي الذي ما عادت به بحاجة «ناتو»، ليتصدّر المشهد السياسي تيارات تعلن عن رفضها الهيمنة الأمريكية على القرار السياسي والاقتصادي الفرنسي، إثر إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، والتوجه لمحاربة روسيا والصين، رغم المصلحة الأوروبية الأكبر فيما لو تعمقت العلاقات مع روسيا والصين وإيران، لتأتي الصفعة الأمريكية الأقوى التي تلقاها (الغرّ) ماكرون، قليل الخبرة في السياسة، ما جعله أشبه بزعيم من ورق، جاهز وحاضر لأي فتيل يعلن الاحتراق بشرارة حراك شعبي يبدو للوهلة الأولى عفوياً، بينما هو ليس إلا نسخة أصلية عن «الربيع العربي» لكن بلكنة فرنسية، فالعفوي هنا منظم جداً، ووفق مخطط ذكي، ليكون إعلان ولادة وحش خرج عن سيطرة مبتكريه، حسب تصريح كاستانير وزير الداخلية الفرنسي، الذي حذّر من إمكانية تغلغل بعض العناصر المتطرّفة في الاحتجاجات التي تخطّط لها حركة «السترات الصفر»، وحسب تعبير كاستانير ستكون (القوة هي القانون)!! ويحضرنا هنا، وفي مقاربة بسيطة وقريبة عناوين تشاركت وفرنسا أحداث الشغب نفسها، لكن في موقع جغرافي للدولة السورية، أنه ما كان من الحكومة الفرنسية وقتها إلا أن سارعت لشدّ أزر المتآمرين الذين ما عدّتهم مخربين ولا إرهابيين، بل ساهمت في احتضانهم واستقبالهم في فنادقها، وأطلقت عليهم اسم «المعارضة السياسية»، واستطالت التحركات الترحيبية بحراكهم الإرهابي، ولتوقع ازدواجية المعايير، التي اعتادتها القوى الإمبريالية، تلك القوى في شر أعمالها، فأنوار أوروبا، ودُور فنونها، وعلمانيتها، لن تنفع في صدّ «الخريف الأمريكي»، لأن القرار قد اتُخذ، و«على نفسها جنت براقش الفرنسية»!!

2018-12-09