الطاولة الرباعية وفرضياتها..!!


بقلم  علـي قــاسـم

لم يكن بمقدور الطاولة التي اجتمع على حوافها قادة أربع دول أن تتخطى الحدود التي افترضتها القراءات التي سبقت انعقاد القمة، رغم اللقاءات الثنائية والاتصالات التي بدت مرسومة في سياق المشاهد العينية التي تركت انطباعاتها الحذرة ورسمت خطوطاً افتراضية لم تستطع أن تحدث ما هو خارج سياق المنتظر،
وإن كان من الصعب الجزم بالنتائج مسبقاً التي تبقى رهنا بجدية المجتمعين من جهة والامتدادات التي رفدتها من خارج القاعة من جهة ثانية.‏

ورغم حجم الغموض الذي اكتنف بعض دوافع أن يكون اللقاء الرباعي وأن يشكل في نهاية الأمر منصة إضافية للحديث، فإنه على الأقل – وفق توصيف مريديه ومخططيه - أتاح الفرصة للنقاش بصوت مسموع كي تتضح لكل طرف ما هي المساحات الممكنة لنقاط التلاقي، وأن يتلمس مباشرة الخيارات وربما الحلول للنقاط الأكثر استعصاء في المرحلة الراهنة، من دون أن يلغي مسلمة اختلاف المقاربات وتباعد الأهداف، والأخطر تناقض الأجندات في العناوين، فكيف الأمر حين الخوض في التفاصيل..؟!، ولا سيما تلك التي تبدو سجالاً يصلح للمحاججة على صعوبة المفازات التي يحتاج اجتيازها إلى إرادة يستحيل الجزم بتوافرها..!!‏

يسجل للدبلوماسية الروسية أنها تمكنت من توسيع مروحة المهيئين للانضمام إلى صيغة آستنة كنموذج للحلول الممكنة، وأنها استطاعت تسهيل عقد لقاء كان من الصعب تخيّل حدوثه لولا الاختراقات التي حققتها في سوتشي، مدعومة بإنجازات على الأرض تحاكي الحالة السياسية بصورة مختلفة، وقد تكون نجحت في ضم الفرنسي والألماني إلى الحلبة المشتركة للنظر في التداعيات من زاوية أن كليهما يتقاسم جزءاً من المتاعب الناتجة عن الاستعصاءات التي تحول حتى اللحظة دون رؤية ملامح موحدة للمقاربة الدولية، على قاعدة الفهم المشترك للمصالح التي سيكون من العبث التفكير بها من دون الأميركي، الذي يراقب ومن داخل القاعة بعيون وكلائه المعتمدين أصولاً على الطاولة الرباعية.‏

فالأميركي سيكون غيابه كحضوره مؤشراً للقراءة المزدوجة التي لا تستبعد من مفرداتها جدلية العلاقة التي ترسم حالة افتراضية أن الفرنسي والألماني لم يشاركا في القمة إلا بضوء أخضر أميركي، والحال التركي ليس بعيداً، وهو المفخخة المزروعة داخل اجندة أي حوار جدي، وربما كانت المهمة مضاعفة لديه، حيث سيكون المراقب العملي على الأداء الفرنسي والألماني المنضبط ضمن خطوط الهامش المرسوم أميركياً، ومدى انسجامه مع الرؤى الأميركية في نهاية المطاف.‏

الفرق هنا ليس في بيان أو تصريحات قد تصلح لكل زمان ومكان، ولا في المنابر التي قد تشكل فرصة للدعاية السياسية، بقدر ما هو مرتبط بجدية إقرار ثلاثي «فرنسي ألماني تركي» بسوريّة الحل، وإن بقي هذا الإقرار ممسوكاً في نهاية المطاف بمدى قدرة الفرنسيين والألمان معاً على توسيع هامش التمايز عن الموقف الأميركي، وبحدود المساحة المسموح لهما اللعب على هامشها من الداخل والخارج، من منظور أن الأميركي الغائب سيحضر بقوة في أي قراءة لاحقة، ومحاولة المسّ بهذه الحقيقة تتطلب إدراك الثنائي ذاك إضافة إلى التركي أنه سيكون من الصعوبة بمكان أن يحققوا أي خطوة من دون أن يضعوا جانباً -ولو من باب المناورة السياسية المؤقتة- التعليمات الأميركية وأمر العمليات الذي حفظوا تفاصيله عن ظهر قلب.‏

على أن ذلك لم يقلل من أهمية الانعقاد التي تشكل تطوراً -ولو كان من ناحية الشكل- إضافة إلى ما تحدثه من ارتجاجات وارتدادات في المياه الراكدة، رغم الإدراك الفرنسي والألماني المشترك أن القفز وراء أحلام المشاركة أو حجز دور على أي طاولة سياسية قادمة سيكون محكوماً بالاعتبارات الأميركية من جهة، وعوامل المجاهرة بالأهداف السياسية التي يرسمها إيقاع التطورات الميدانية من جهة ثانية، وما عجزوا عن نيله بالمراهنة على الإرهاب لن يطولوه بطاولة محكومة بفرضياتها المسبقة، ولن يحصلوا عليه عبر هرولة من السابق لأوانه الحكم إلى أين توصل..!!.‏

2018-10-29