النفخ في الجبهة «الجنوبية»


بقلم  علـي قـاسـم

لم يكن التحذير من الخطط الأميركية عفو الخاطر، خصوصاً مع التنغيم الفرنسي على وتر الأطماع الاستعمارية بالتوازي مع الضخ الإعلامي والتهويل باتجاه الجنوب، وبدء تحرك الأذرع السياسية للرعاة والمشغلين على نحو منسق،
وإن جاء متخماً بكثير من الاستطالات والتورمات البادية للعيان، التي شكّل فيه فائض التحشيد عاملاً أساسياً من عوامل الإدراك المسبق بأنه يحتاج إلى مقاربة تختلف في أدواتها وسياقاتها عن كل ما سبقها، بدليل هذا الكمّ من التبريرات والذرائع التي تفتقد إلى أي جديد سوى تلك التي تؤشر إلى حكم الضرورة القسرية التي اقتضت إقفال جبهات وفتح أخرى على نحو تسلسلي..‏

الفارق -كما تشي التطورات- أن هذه المعركة تتداخل فيها الأدوار على نحو يكاد يخلط بين الآني والاستراتيجي.. ويجمع بين المؤقت والدائم، بحيث تؤجل الأولويات المتضاربة للمشغلين الإقليميين، ويتم تنسيق المواقف وتُرحّل الخلافات، باعتبار أن المعركة قد تشكّل آخر المنعطفات، وتنهي بدورها آخر الأوراق الممكنة أو المحتملة، خصوصاً أن معركة الغوطة بشقيها الشرقي والغربي تكاد تضع أوزارها، وما تبقى منها مرهون بالوقت ليس إلا..‏

على هذا الأساس بدت نغمة الهواجس الأردنية والمخاوف المفتعلة بشكل مفاجئ من وجود التنظيمات الإرهابية بمثابة قصف تمهيدي يفتح الطريق أمام الدور الأردني المنتظر، ويشكل باكورة للمناورات التي تمثّل في حدها الأدنى تحضيرات لوجستية وتهيئة سياسية وإعلامية، ليأخذ فيها الدور الأردني موقعه المفقود أو الضائع وسط متاهة امتدت لسنوات خلَت، كان يتنازع فيها المهمة الوظيفية وتضارب الأدوار مع بقية المشغلين، ولا سيما أن هذه النغمة يتم استحضارها عادة حين تقتضي المهمة الوظيفية العودة إلى دائرة الضوء.‏

على المقلب الآخر.. كانت «إسرائيل» تمارس أقصى درجات التحشيد السياسي والإعلامي والدبلوماسي في تصدير مشهد تقارب فيه مخاوفها من زاوية الاستعطاف المشوب بالتحذير، وإن كان يحمل خيبة مزدوجة من العدوان الثلاثي، الذي بدا أقل بكثير من تمنياتها وأوهامها العدوانية.. حين فشل في تحقيق المراد، ووضعها أمام الحقيقة المرة، وسط اجترار لاذع للمخاوف المتراكمة عضوياً في الخشية من فشل المشروع الإرهابي وما قد يحمله من تداعيات بأبعاد متفاوتة في حدتها ودرجة ارتداداتها.‏

فعودة النفخ في غرف الاستخبارات الغربية.. ومحاولة إحياء التنسيق برعاية بريطانية خالصة، ومشاركة أميركية واضحة وصريحة، وتعويل فرنسي يكون فيه الثلاثي العدواني متكئاً على المشغلين الإقليميين، بامتدادات ثلاثية يحضر فيه التنسيق السعودي الإسرائيلي الأردني على نحو غير مسبوق، ويمهد الطريق عملياً إلى العلنية والمباشرة في الأدوار المنتظرة، في محاولة محمومة لرسم مجموعة من الخطوط الحمر المستجدة، بحكم تقطع ما سبقها من خطوط ارتسمت في الخطاب الغربي، ومن محظورات درجت عليها تصريحات مسؤولي منظومة العدوان من رأس الهرم حتى ذيله.‏

النفخ في الجبهة الجنوبية ليس بريئاً، ولا هو محض افتراض.. ولا ينطلق من فراغ، بل له مقدماته، كما أنه يحمل في طياته المؤشرات الحقيقية إلى المخاطر التي ينطوي عليها، باعتباره يشكل إضافة فعلية على آليات التعاطي مع المشروع الإرهابي واحتياجاته، حيث الفارق بين الطرح الماضي والحاضر، وربما ينسحب على اللاحق أنه كان خياراً من ضمن خيارات عدة، واليوم بات وحيداً.. وقد يكون قسرياً، باعتباره الأخير الذي يشكل نواة لفرصة قد لا تتكرر، خصوصاً أن الوقت ليس لمصلحة منظومة دعم الإرهاب، وهو ما يفسّر هذه الاستماتة في الضخ السياسي والإعلامي والتحشيد في تصنيع الذرائع، وإن كانت المنظومة في نهاية المطاف لا تحتاج إلى ذرائع ولديها المقدرة على توفيرها من دون عناء عبر الفبركة والأكاذيب.‏

لكن هذا لا يفسر كل هذا التحشيد والاستنفار في الأدوات والمرتزقة، حيث المعضلة ليست في شكل المرتزقة وعددهم وعديدهم، ولا في الخطط التي يعاد إحياؤها، ولا في الصيغ المعدلة منها أو تلك التي يعاد النظر فيها ومراجعتها، بقدر ما هي في العبثية التي تنطوي عليها، حيث ما عجزوا عنه في الإرهاب والعدوان والعربدة ومن كل الاتجاهات وعلى كل المستويات، وصولاً إلى الأطماع بشقها الاستعماري ونسخته المعدّلة، لن يحققوه بتعديل هنا أو تحوير هناك، أو نفض الغبار عمّا تراكم من تجارة الوهم التي تصرّ منظومة العدوان وأدواتها على البيع والشراء فيها، في ظل وجود مرتزقة تلعب على المبازرة في ذلك الوهم مهما صغر.‏

2018-04-25