جراء العدوان الإسرائيلي الفاشي… وافدون لبنانيون يروون معاناتهم وما تقدمه سورية لاحتضانهم

سنوات عمره الثمانون لم تشفع للعم حسن يزبك أن يعيش بقية حياته مستقراً مع أبنائه وأحفاده بمنطقة حوش حالا في لبنان بعد تهجيره من منزله مرتين جراء العدوان الإسرائيلي الفاشي، الأولى في حرب تموز عام 2006 عندما ترك منزله متوجها إلى منطقة أخرى في لبنان، والثانية عندما غادره مؤخراً إلى سورية بعد تدميره بالكامل.

العم حسن قال لموفدة سانا إلى مركز الإيواء في الحرجلة بريف دمشق والذي سارعت الحكومة السورية لتجهيزه مع غيره من المراكز لاستقبال الوافدين من لبنان الشقيق: “إنها الحرب، دخان ملء السماء، أصوات قذائف وصواريخ مرعبة، لم يكن لدينا متسع من الوقت لحمل أغراضنا.. المشهد المرعب جعلنا نغادر المكان على الفور أنا وزوجتي وأبنائي وأحفادي، كانت وجهتنا إلى سورية”، مشيراً إلى معاناتهم خلال الطريق الذي كان “صعباً ومزدحماً بسبب النزوح الكبير خوفاً من الحرب التي دمرت منازلنا”.

وأضاف حسن: “ما إن وصلنا إلى الحدود السورية حتى انتابنا الأمان، الحكومة السورية قدمت لنا تسهيلات كبيرة فور وصولنا، حيث تم تأمين كافة حاجياتنا من مسكن وطعام ودواء ولم يقصروا بشيء رغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية في سورية نتيجة الحرب”.

حال عائلة حسن لا تختلف كثيراً عن غيرها من العائلات التي اضطرت إلى مغادرة منازلها في لبنان والتوجه إلى سورية من بينهم أميرة جبر اليوسف من البرج الشمالي-مخيم الشهداء، حيث أشارت إلى أن القصف الكثيف بمحيط المخيم دفعهم لحزم أمرهم، والمغادرة بحثاً عن مكان آمن ولا سيما بعد أن أصيب أحد أقاربها في غارة على المخيم ومازال حتى اليوم يرقد بأحد مشافي لبنان، لافتة إلى أنها “وصلت إلى إحدى المدارس في مدينة صيدا لكن خوف الأبناء وصراخهم طوال الليل جعلها تفكر بمغادرة لبنان نهائيا إلى سورية”.

ولفتت أميرة إلى أن “الطريق الى سورية استغرق يومين بسبب الازدحام الكبير، لكن ما إن وصلنا إلى المعبر حتى هدأت نفوسنا”، لتضيف.. “الحكومة السورية والقائمون على المعبر قدموا لنا كافة التسهيلات، كما تواصلنا مع أحد أقاربنا في منطقة السبينة، حيث مكثنا عنده يومين إلى أن تواصل معنا الهلال الأحمر العربي السوري حيث تم تقديم العون لنا وإيصالنا إلى مركز الإيواء في الحرجلة”.

وقالت أميرة بغصة: “هذا التهجير الثاني لنا، سبق وأن هجرنا من منازلنا في حرب تموز لكن حينها لم نغادر بلدنا، أما ما نراه اليوم من وحشية وهمجية جعلنا نغادر منازلنا إلى وجهة جديدة”، لافتة إلى أنها بمركز الإيواء “حصلت على منزل كبير ضم أفراد عائلتها بالكامل، ويتابعون أخبار بلدهم من خلال الاتصال بمن تبقى من الأقارب والجيران الذين يعيشون في خطر كبير جراء الغارات الصهيونية الكثيفة”.

الشابة يمامة طي أشارت إلى أنها “غادرت منزلها بالضاحية الجنوبية بالثياب التي ترتديها فقط دون أن تتمكن من حمل أي شيء معها”، لافتة إلى أنها “فور وصولها إلى مركز الإيواء تمت معاينتها وإعطاؤها الدواء المتوفر”.

بدوره علي شعيب من قضاء النبطية بين أن “المنطقة تعرضت لرشقات صواريخ كثيفة لذلك أرسلنا عائلاتنا إلى سورية، وبقينا هناك لمراقبة الوضع والحفاظ على منازلنا لكن عندما اشتد العدوان وتدمرت منازلنا، وتم قطع الطرقات لمنعنا من المغادرة، ذهبنا الى بيروت ومنها الى سورية، والحمد لله الآن وضعنا جيد”.

من جهتها السيدة فاطمة الحلاني وصفت كيف أن “خوف الأبناء وحالة الهلع والرعب التي أصابتهم دفعتهم للبحث عن ملجأ آمن، فكانت وجهتها الى سورية التي احتضنتهم دوماً، مقدمة الشكر للحكومة السورية على كافة التسهيلات التي منحتها لهم للوصول بأمان إلى مركز الايواء، لتؤكد بالقول: “لم أتفاجأ بمعاملة السوريين للبنانيين فهي لم تتغير على مر الزمان فسورية الحضن الدافئ للبنان ولكل العرب”.

ولفتت إلى أنها غادرت منزلها دون أن تتمكن من حمل أي شيء او إلقاء نظرة أخيرة على المنزل الذي سقط على الأرض نتيجة الغارات الجوية الكثيفة التي تعرضت لها المنطقة، فيما يقول عادل ياسين من منطقة البقاع “غادرت مع أبنائي وأحفادي بعد أن تعرض منزلنا للتدمير ولم أكن أتوقع أن يكون ملقى السوريين جميلاً هكذا”.

بينما أشارت ماجدة صفوان من الضاحية الجنوبية لبيروت إلى أنها “قدمت برفقة أبنائها وعدد من أقاربها لأن الهجمات العدوانية الجوية كانت قوية جداً”، لافتة إلى أن “سورية قدمت لنا كافة التسهيلات وأماكن للسكن وهذا ليس بغريب عن الشعب السوري نحن أهل بلد واحد”.

العم عيسى ابراهيم من منطقة صور قال: “منذ بداية الحرب غادرنا لبنان إلى سورية وأنا أعمل سائق تكسي في لبنان وابني يعمل بصالة أفراح وتركنا كل شيء خلفنا ونجونا بأرواحنا، وأتواصل مع جيراني لمتابعة أخبار بلدي والاطمئنان على منزلي.. الجيران أخبروني أن طيران العدو الإسرائيلي لا يهدأ طوال الوقت والقذائف تنهمر كالمطر على منازلنا، الحمد لله نجونا بأرواحنا ونحن اليوم بأمان”.

أما رنا عيسى ابراهيم فحالها كغيرها من اللبنانيين حيث دفعها خوف الأبناء لمغادرة المنزل وتقول: “وجدنا صعوبة في البداية كون أولادي فلسطينيين وأنا لبنانية، لكننا وجدنا تسهيلات بنقطة العبور السورية، حيث سمحوا لنا بالدخول، وأنا اليوم مع أبنائي بمركز الإيواء الذي يقدم لنا كل ما نحتاجه من رعاية صحية وأغذية وأدوية”.

وأمام توافد الآلاف من الوافدين اللبنانيين إلى سورية لم تدخر الحكومة السورية بجميع مؤسساتها منذ اليوم الأول أي جهد وسخرت المتوفر من الإمكانات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الناجمة عن سنوات الحرب والحصار لاستقبال الوافدين بشكل لائق وتقديم كافة الخدمات لهم وتلبية احتياجاتهم حسب رئيس مجلس بلدية الحرجلة والمشرف على مركز الايواء عبد الناصر الخطيب الذي أشار إلى أنه تم تجهيز نحو 270 شقة مفروشة بمركز إيواء الحرجلة وتم توزيع العائلات على الشقق السكنية حسب عدد أفرادها.

وبين الخطيب أن المركز لا يزال يستقبل يومياً الوافدين وهناك فريق عمل على الأرض وفريق مناوب للحالات الإسعافية حيث وصل عدد العائلات فيه الى 310 عائلات بعدد أشخاص تجاوز 1022 وتم تسجيل بيانات كل عائلة وحصر الاحتياجات المطلوبة للعمل على تأمينها بالتعاون مع عدد من الجمعيات والمنظمات العاملة في المكان، مؤكداً العمل بأقصى طاقة وضمن الإمكانات المتاحة لتقديم الخدمات على مدار الساعة من رعاية صحية وغذاء وكساء إلا أن العائلات الوافدة تحتاج الى الكثير من المستلزمات الضرورية مثل حليب الأطفال والأدوية والمواد الصحية بالإضافة إلى اللباس الشتوي ولا سيما أن اغلب الواصلين قدموا بلباس صيفي والشتاء أصبح على الأبواب.

ومن الجمعيات والمنظمات المتواجدة في المركز في إطار استجابتها للظروف الطارئة جمعية تنظيم الأسرة السورية التي تقدم مختلف الخدمات الصحية والطبية للوافدين إلى جانب ما تقدمه مديرية صحة ريف دمشق، وذلك منذ الأيام الأولى لوصول الوافدين حسب الطبيب رافع الحميد اختصاصي أمراض أطفال الذي بين أنهم يستقبلون بشكل يومي الأطفال من مختلف الأعمار لمعاينتهم وإعطائهم الدواء المناسب، لافتاً إلى أن عدد الأطفال كبير في المركز ويتم التعامل مع حالات مرضية كثيرة وعلاجها مباشرة.

بدورها أشارت مسؤولة التغذية بفرع الجمعية إيمان عبد الله إلى أنهم يستقبلون الأطفال من عمر يوم إلى خمس سنوات مع تقديم خدمة رعاية الحوامل ومتابعتهم وهو ما لفتت إليه الطبيبة النسائية ربا حمدان إضافة إلى معالجة المريضات اللواتي يزرن العيادة.

فيما لفتت اختصاصية الدعم النفسي فتون العثمان إلى تقديم خدمة الإسعاف النفسي الأولي لمعرفة الحالات المتأثرة نتيجة الهلع والخوف من الحرب إضافة الى جلسات دعم نفسي لتقوية الأشخاص وإعادة الثقة إليهم مع وجود حالة توحد بالإضافة لعدد من حالات الاضطراب والتشتت وكلها بسبب الحرب حيث يتم الوقوف إلى جانبهم ومعالجتهم للخروج من حالتهم.
2024-10-15