عام على محرقة الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ينقضي اليوم… 365 يوماً والاحتلال يحاصر القطاع بالموت قصفاً من الجو والبر والبحر، في المنازل وخيام النزوح، في المشافي والمخابز والأسواق والطرقات، في طوابير انتظار قليل من المياه والطحين وفي كل شبر، تجويعاً وتعطيشاً، وبالحرمان من حبة الدواء ومن أبسط مقومات الحياة وحتى تعذيبا في المعتقلات.
أكثر من 900 عائلة قتل الاحتلال كل أفرادها ومسحت من السجل المدني، وآلاف العائلات ذاقت مرارة فقدان أحد من أفرادها أو أكثر، يعيش أطفالها قسوة اليتم، وتحول بعضهم إلى المعيل الذي عليه أن يؤمن الاحتياجات اليومية.
لم يبق في القطاع حجرٌ على حجر، شوارعه، أحياؤه، مدارسه، جامعاته ومرافقه الخدمية والصحية، كل ملامحه انمسحت، ومعالمه التاريخية والأثرية دمرت، وتحولت إلى كومة من ركام لا يزال تحته آلاف الضحايا، ويقاسي فوقه نحو 2.4 مليون فلسطيني مرارة كارثة إنسانية تتفاقم ساعة تلو الأخرى جراء الحصار والإبادة المستمرة.
الاحتلال حول القطاع وفق الأمم المتحدة إلى منطقة غير صالحة للعيش، فيها أكثر من 1.7 مليون نازح قام بحشرهم في مساحة ضيقة لا تتجاوز عُشر مساحة القطاع، تطالهم صواريخ الاحتلال ونيرانه حتى في الخيام التي لا تقيهم حر الصيف ولا عواصف الشتاء، يعانون فيها من الأمراض والأوبئة والفقر.
41825 شهيداً معظمهم نساء وأطفال تمزقت جثامينهم إلى أشلاء أو تفحمت، أو امتزجت مع تراب غزة تحت جنازير دبابات الاحتلال، لاحقها مجرموه حتى في المقابر، نبشوها، واختطفوها.
96910 جرحى لا يجدون مشفى ولا أي سبيل للعلاج، فضلاً عن مئات آلاف مرضى السرطان والقلب والكلى والأمراض المزمنة الأخرى يهددهم الموت جراء منع الاحتلال إدخال الدواء إلى القطاع، فيما أكثر من 650 ألف طالب محرومون من التعليم، وتسببت حرب الإبادة بخسارتهم عامين دراسيين متتاليين، يضاف إلى ذلك بلوغ نسبة الفقر 100 بالمئة في القطاع، بعد تدمير الاحتلال الاقتصاد الذي كان متهالكاً جراء الحصار الإسرائيلي الخانق منذ 17 عاماً.
نكبة الفلسطينيين الثانية، دماء أهل القطاع وأوجاعهم وصرخات آلامهم، فزعهم وحيرتهم، أين يذهبون في نزوحهم المستمر من مكان إلى آخر، وجوه أطفالهم التي تحمل هموماً تفوق أعمارهم بأضعاف، شاهدتها وسمعتها كل أصقاع الأرض وانتفضت من أجلها شعوب العالم التي ملأت الساحات مطالبة بوقف الحرب ومحاسبة الاحتلال على جرائمه، لكن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين أفشلوا كل جهود المجتمع الدولي في هذا الإطار، فالفيتو الأمريكي حاضر دوماً في مجلس الأمن لحماية الاحتلال، وتهديد الغرب بوقف تمويل وكالة الأونروا وباقي مؤسسات الأمم المتحدة الإنسانية في ظل الوضع الإنساني الصعب والحاجة الماسة للمساعدات، سلاح لا يقل فتكاً عن السلاح الذي يزودون به الاحتلال ليواصل محرقته ومجازره.
ولم يكتف الاحتلال بمواصلة عدوانه على غزة متجاهلاً قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن بوقف الحرب، وكذلك أوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي في غزة وقرارها بضرورة إنهاء الاحتلال، بل مكنه تقاعس مجلس الأمن وعدم تحركه جدياً من تجاوز جميع الخطوط الحمراء، حيث يسعى الاحتلال بدعم أمريكي إلى تصعيد الأوضاع في المنطقة والدفع بها نحو حرب شاملة من خلال مواصلة اعتداءاته على الأراضي السورية وشنه عدواناً وحشياً على لبنان لا يقل فظاعة عن حرب الإبادة في غزة، وما كانت المنطقة لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم، لو أن المجتمع الدولي تمكن من وضع حد لتفلت الاحتلال الإسرائيلي وهوسه بإشعال الحروب وإراقة الدماء، لكن هيهات ما دامت واشنطن التي تنصب نفسها “شرطي العالم” مستمرة بدعم كيان الاحتلال في كل جرائمه واعتداءاته، فيما العالم عاجز عن فعل أي شيء.