افتتاح أربعة أسواق تقليدية بمدينة حلب القديمة، بعد إعادة ترميمها يعد شكلاً من أشكال تعافي الحياة الاقتصادية وإحياء ذاكرة الماضي العريق، بعد غياب عنها تجاوز اثني عشر عاماً لتعود اليوم نابضة بالحياة وتعج بحركة الأهالي والمتسوقين والزوار الذين اشتاقوا المرور بين أزقة الأسواق العتيقة وأقواسها الحجرية المقبية.
وتعد أسواق الحبال والحدادين والسقطية 2 والأحمدية لبنة جديدة تضاف لمدماك أسواق قديمة تم افتتاحها لتكون شريان الحياة على طول الشارع المستقيم بالمدينة القديمة الذي يربط غرب المدينة من باب أنطاكية، وينتهي شرقاً عند قلعة حلب التاريخية، مشكلاً بذلك أضخم سوق تجاري يحتوي 38 سوقاً، وكل ذلك جاء ثمرة لجهود أبناء حلب من فعاليات تجارية وصناعية وثقافية وحرفية، بالتشارك مع الجهات الحكومية والأهلية والأمانة السورية للتنمية، وعدد من المنظمات ومجلس مدينة حلب والمديرية العامة للآثار والمتاحف.
ويعتبر سوق الحدادين المجاور للجامع الأموي الكبير أحد المداخل الرئيسية للمدينة القديمة، ويضم 47 محلاً تتنوع معروضاتها بين الشرقيات والملبوسات وحلويات الضيافة والمواد الغذائية، حيث يمتلك غسان مهروسة محلاً للشرقيات، ويقوم بإعادة ترتيب محتوياته وسط سعادة غامرة بافتتاحه من جديد، ويقول: إنه عاد بقوة للعمل لتعود الحياة الطبيعية للسوق معرباً عن تفاؤله بانطلاق حركة البيع يوماً بعد يوم.
وأضاف: أدعو جميع التجار وأصحاب المحال للعودة إلى المدينة القديمة التي أصبحت بحلة جديدة، فيما يشير محمد خير عبد الحق إلى أنه أغلق محله منذ ثلاثة عشر عاماً، واليوم لا تسعه الفرحة برجوعه لوسط المدينة القديمة وكله أمل بعودة الحركة التجارية وعودة الناس لزيارة السوق والتبضع.
وفي سوق الحبال الذي يحتوي 60 محلاً تتنوع معروضاته من أنواع الحبال والخيوط وكل ما يحتاجه أصحاب الحرف المتعلقة بالخياطة، يؤكد غزوان بوسطه جي أنه يشعر بالسعادة والفخر، كونه يمتلك محلاً في سوق الحبال، وحسب تعبيره هو أحد شرايين المدينة القديمة الذي يتفرع عن الشارع المستقيم.
وأضاف: هناك مثل يقول: “حبل الرزق لا ينقطع”، وهذا الحبل يرتبط بهذه المحال الصغيرة، لأن أصحابها يختزنون ذاكرة كبيرة عنها وهنا صورة جدي ضمن المحل، وقد ورثنا المهنة أباً عن جد، واليوم نعيش فرحة الرجوع لمحل الآباء والأجداد.
وعلى ناصية السوق اليمنى، يقف الحرفي جمال حبال يفرد بضاعته وينسقها قائلاً: إنه من أول العائدين للسوق ومع اكتمال ترميمه زادت فرحته أضعافاً وسط إقبال الزوار والمتسوقين، متابعاً: عودتنا للسوق هي شيء روحي أكثر من كونه مادياً، وأنا متعلق بهذا المكان منذ القدم من زمن الآباء والأجداد وأنا موجود هنا منذ 43 عاماً، ومصلحتنا قديمة وما زال المتسوقون يطلبون منتجاته من حبال وأراجيح ومصنوعات يدوية من الحبال.
وفي سوق السقطية 2 الذي يضم حوالي 30 محلاً للمواد الغذائية والحلويات والمكسرات والضيافة والألبسة يقول خالد صقال: إنه بعودة سوق السقطية للعمل عاد شريان الحياة للمنطقة، واليوم فرحتي كبيرة جداً كون الأسواق بدأت بالعودة للحياة سوقاً تلو الآخر، موجهاً الشكر لكل من ساهم بذلك من جهات حكومية وأهلية.
وأوضح محمود جاسر صاحب محل للعطورات أن المدينة القديمة كانت تشكل أكبر “مول” تجاري في العالم بتنوع أسواقها، واليوم بدأت الحياة بالعودة لهذا المكان الأثري القديم، متمنياً من جميع التجار العودة إلى محالهم للمساهمة بإعمار السوق من جديد، وهذا ما أكد عليه فؤاد صباغ صاحب محل للمنظفات، معرباً عن أمله بإعادة تفعيل كامل أسواق حلب بتنوعها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.
وفي نهاية سوق الأحمدية الذي يحتوي 22 محلاً تعبق رائحة الماضي بمقهى الأحمدية، حيث يشير صاحبه أحمد سماغ إلى أن المقهى كان شعبياً بامتياز يرتاده أهالي حلب، ومحطة استراحة للزوار والتجار، واليوم تعود له الحياة بعد إعادة ترميمه من جديد مع الحفاظ على كل شيء قديم فيه من طاولات خشبية وكراسي لإبقاء صورة الماضي الجميل فيه.
وزارة الإعلام - سانا