حذرت سورية من أن التصعيد الخطير في المنطقة المتمثل باستمرار الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، وإمعانه في شن اعتداءات على عدد من دولها بما فيها سورية، يهدد بإشعال المنطقة برمتها وتفجيرها، الأمر الذي سيلقي بآثاره على العالم أجمع، مؤكدة أن ما يزيد من المخاطر المحدقة قيام دول غربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة بتحريك أساطيلها وجيوشها نصرةً للاحتلال، ليزداد إمعاناً في جرائمه ومجازره، بدلاً من ممارسة دورها كدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وفيما يلي النص الكامل لبيان سورية الذي ألقاه نائب المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور الحكم دندي اليوم خلال جلسة لمجلس الأمن حول الشأنين السياسي والإنساني في سورية:
نجتمع اليوم في الوقت الذي تشهد فيه منطقتنا تصعيداً خطيراً يهدد بإشعالها وتفجيرها، الأمر الذي سيلقي بآثاره على العالم أجمع وليس على المنطقة فحسب، وذلك جراء استمرار كيان الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإمعانه في شن المزيد من أعمال العدوان على دول المنطقة بما فيها سورية، والتي لم يكن آخرها عدوانه الغادر على بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل بتاريخ الـ 27 من تموز الماضي.
يجدد وفد بلادي التأكيد على ما تضمنته الرسالتان المتطابقتان اللتان وجهتهما سورية إلى الأمين العام ورئيس مجلس الأمن في الـ 14 من آب الجاري، بشأن رفض سورية جملةً وتفصيلاً الأكاذيب التي أدلى بها ممثل كيان الاحتلال الإسرائيلي خلال الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن تحت بند “الحالة في الشرق الأوسط بما في ذلك القضية الفلسطينية”، بتاريخ الـ 13 من آب، وتجدد إدانتها بأشد العبارات قيامه- في إطار ممارساته الاستعراضية وألاعيبه المكشوفة وسعيه لتزييف الحقائق- برفع صور الأطفال السوريين الذين استشهدوا جراء العدوان الإسرائيلي الآثم على بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل وزعمه أنهم “أطفال إسرائيليون”.
تشدد سورية على أن أهلنا في الجولان المحتل هم مواطنون عرب سوريون، كانوا وما زالوا وسيبقون جزءاً أصيلاً من الشعب السوري، وهم متمسكون بانتمائهم لوطنهم سورية وهويتهم الوطنية، ويرفضون الاحتلال الإسرائيلي ويتطلعون إلى إنهائه ووضع حد لممارساته الإجرامية بحقهم.
تؤكد سورية مجدداً على حقها المشروع باستعادة الجولان المحتل كاملاً، وهو حق ثابت لا يخضع للمساومة أو الضغوط، ولا يسقط بالتقادم، يكفله القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وخاصة قرار مجلس الأمن 497 لعام 1981.
إن ما يزيد من المخاطر المحدقة بالمنطقة أن بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تدعي حرصها على حقوق الإنسان تقوم بتحريك أساطيلها وجيوشها نصرةً لكيان الاحتلال الإسرائيلي المجرم ليزداد إمعاناً في جرائمه ومجازره واعتداءاته بدلاً من ممارسة دورها كدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بما يسهم في النهوض بولايته وحفظ السلم والأمن الدوليين وفقاً للميثاق.
تواصل سورية خطواتها للارتقاء بالوضع الإنساني وتوفير الخدمات الأساسية لمواطنيها، ومتابعة عملية تحديث البنى الإدارية والتشريعية، وفي هذا السياق صدر الشهر الماضي المرسوم التشريعي 19 الذي نص من بين جملة أمور، على إحداث المجلس الوطني لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة ليكون الجهة المخولة بكل ما يتعلق بشؤونهم، بما في ذلك حمايتهم وضمان الدمج الشامل لهم في المجتمع، وتلبية احتياجاتهم المختلفة، وتوفير الحماية الاجتماعية والبنى التحتية المناسبة لهم، وضمان مشاركتهم في الحياة السياسية والعامة.
كذلك تواصل سورية نهجها الإيجابي وتعاونها البناء مع الشركاء في العمل الإنساني والتنموي، وتستمر في تقديم الدعم والتسهيلات اللازمة لعملهم، حيث قامت بتجديد الإذن الممنوح للأمم المتحدة لاستخدام معبري باب السلامة والراعي الحدوديين ثلاثة أشهر إضافية، لتيسير وصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها من المدنيين السوريين في شمال غرب سورية.
في الوقت الذي احتفل فيه العالم باليوم العالمي للعمل الإنساني، فإن سورية ما تزال تعاني من قيام بعض الدول الغربية بتسييس العمل الإنساني وعرقلته من خلال حجب التمويل وربطه بشروط سياسية خدمة لمصالحها على حساب أمن واستقرار ومعيشة الشعب السوري، وذلك عبر سياسات عدائية ألحقت ولا تزال ضرراً بالغاً بجهود سورية ذات الصلة، وبقدرة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة على الاضطلاع بولايتها ودعم صمود السوريين وتعزيز مشاريع التعافي المبكر في القطاعات الأساسية التي أشارت إليها قرارات مجلس الأمن، وهي الصحة، والتعليم، والمياه، والكهرباء، والإيواء.
قبل عام ونصف، تعرضت سورية لزلزال مدمر، آنذاك ولغياب الآليات والمعدات الحديثة بسبب الإجراءات القسرية الانفرادية، اضطر الكثير من السوريين للحفر بأيديهم محاولين العثور على أحبتهم لإنقاذهم من بين الأنقاض، واليوم وإذ تصيب سورية هزات جديدة بلغت إحداها منذ أسبوعين 5.5 درجات على مقياس ريختر، فإن الظروف المأساوية لا تزال قائمة، وذلك لأن بعض الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ما تزال مصرة على المضي قدماً في سياساتها الهدامة، والاستمرار بسياسة العقاب الجماعي للشعوب من خلال فرضها الإجراءات الانفرادية القسرية التي تستهدف جميع فئات الشعب السوري دون استثناء.
إن غياب الآليات والمعدات الحديثة ليس إلا أثراً واحداً من الآثار الكارثية المتعمدة للإجراءات الانفرادية القسرية التي تستهدف وبشكل مباشر قطاعات حيوية، تبدأ بالقطاع المصرفي والمالي مروراً بقطاع النفط والطاقة والطيران، ولا تنتهي بقطاع الإعمار وغيره من القطاعات الحيوية التي تمس الحياة اليومية للسوريين.
إن وفد بلادي إذ يحيط علماً بالنقاط الإيجابية الواردة في التقرير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “إسكوا” حول آثار الإجراءات القسرية الانفرادية على سورية، ويرى فيه دليلاً إضافياً على الآثار الكارثية لتلك الإجراءات غير الشرعية وتفنيداً للمزاعم التي يروج لها من يفرض تلك الإجراءات، إلا أنه يشدد على أن المشكلة الحقيقية هي فرض الإجراءات القسرية الانفرادية بما تمثله من انتهاك جسيم للقانون الدولي، وليس مجرد فرط الامتثال أو الآثار غير المتعمدة لتلك الإجراءات.
نتطلع إلى قيام الأمين العام للأمم المتحدة بإصدار التقرير الخاص لرصد ودراسة أثر فرض هذه الإجراءات الأحادية على الدول المتضررة، وذلك تنفيذاً لقرار الجمعية العامة 135-78 المعنون “الإجراءات الاقتصادية الأحادية كوسيلة للقسر السياسي والاقتصادي ضد الدول النامية”.
تجدد سورية التزامها بعملية سياسية بقيادة وملكية سورية دون أي تدخل خارجي، وفي ظل الاحترام التام لسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، وتؤكد استمرارها في التعاون والحوار مع المبعوث الخاص ضمن ولايته كميسر، وتتطلع إلى نجاح جهوده لعقد الجولة التاسعة للجنة مناقشة الدستور في العاصمة العراقية بغداد.
وتشدد سورية على أن الحل السياسي فيها يستلزم إنهاء الوجود غير الشرعي للقوات الأمريكية، ووقف نهبها للثروات الوطنية ودعمها للإرهاب وللميليشيات العميلة لها التي لا تتورع عن شن هجمات إجرامية على الأبرياء المدافعين عن عائلاتهم وقراهم وممتلكاتهم في دير الزور والحسكة والقامشلي، إضافة إلى قرى أخرى في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية، بدعم مباشر من القوات الأمريكية الموجودة على أجزاء من الأراضي السورية بشكل غير شرعي.
تؤكد سورية على عدم وجود أي أساس قانوني لوجود أو بقاء القوات الأمريكية الموجودة بشكل غير شرعي دون موافقة سورية، وبما يتعارض مع الأحكام المستقرة في القانون الدولي بشقيه التعاهدي والعرفي، وما الأكاذيب والادعاءات الأمريكية حول “ضمان هزيمة داعش” كمبرر لاستمرار هذا الوجود غير الشرعي، إلا ذرائع واهية لا تستند إلى أي أساس قانوني، بل على العكس تماماً فإن هذا الوجود يعيق في الحقيقة جهود مكافحة الإرهاب في سورية، ويحد من الجهود الوطنية المبذولة في إطار استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب التي تؤكد بوضوح على أولوية الملكية الوطنية للدولة المعنية في جهود مكافحة الإرهاب وضمان احترام سيادتها، وهو ما يستلزم إنهاء الوجود العسكري الأجنبي غير الشرعي على الأراضي السورية، ووضع حد لما يرتبط به من أعمال عدوان ودعم لكيانات وميليشيات إرهابية ونهب للثروات الوطنية، وإعادة بسط سلطة الدولة وسيادة القانون على كامل ترابها الوطني.