أكدت مؤسس ورئيس مجلس أمناء مؤسسة وثيقة وطن الدكتورة بثينة شعبان أن سورية ساهمت بتنظيم المؤتمر الدولي للتأريخ الشفوي، وشاركت بأبحاث عدة فيه إيمانا ًمنها بأهمية هذا المؤتمر بأن يكون نقطة انطلاق لخلق بيئة حوارية ونقدية تسهم في تطوير ثقافة التأريخ الشفوي والتعاون في المشاريع الثقافية العربية المستقبلية .
وقالت شعبان في كلمة لها خلال افتتاح فعاليات المؤتمر الدولي للتأريخ الشفوي اليوم في العاصمة العمانية مسقط: “إن هذه الفعّالية نظمتها معاً هيئة الوثائق والمحفوظات في سلطنة عُمان ومؤسسة وثيقة وطن في الجمهورية العربية السورية، تعبيراً عن اهتمام الجمهورية العربية السورية بهذا المؤتمر وبالآفاق والأعمال المستقبلية المهمة التي يمكن أن يشكل نقطة انطلاق لها”.
وبينت شعبان أن موضوع التأريخ الشفوي يحمل في طياته أهمية بالغة، ليس فقط في توثيق الأحداث والوقائع، بل في حفظ الذاكرة الحية التي تشكل جزءاً أساسياً من الهوية التاريخية والثقافية للشعوب، ولنواصل ما بدأه العرب قديماً بتسجيل التراث الشفوي لحياة الرسول (ص) وأحاديثه.
وأضافت: “نعلم جميعاً أن الاهتمام بالتأريخ الشفوي كان قد ازدهر بداية في بريطانيا وألمانيا قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، ومن ثم في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية وتحول إلى عمل مؤسساتي بجهود رواد جامعتي كولومبيا وشيكاغو، ليمتد انتشار مراكز التأريخ الشفوي في أوروبا وأمريكا ،بعد أن أعيد استكشاف معنى التجربة وقيمتها وصولاً إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي التي وصل فيها عدد مراكز التأريخ الشفوي في العالم إلى 1000 مركز”.
وتابعت شعبان: “بالمقابل وبالرغم من حضور الاهتمام بالتأريخ الشفوي في عدد غير قليل من البلدان العربية مثل فلسطين وليبيا وبعض دول المغرب العربي وسلطنة عمان التي أسست دائرة التوثيق الشفوي ضمن هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية منذ العام 2007، إلا أننا في المنطقة العربية لم نستكشف بعد كامل أدوار الوثيقة الشفوية، ولم نختبر بعد العمل المؤسساتي التخصصي في ميادين العلوم التأريخية والإنسانية بكل ما يستدعيه هذا الميدان من بحث في الخصوصيات المجتمعية، وما يترتب عليها من تكيفات منهجية ومعرفية”.
وأشارت شعبان إلى أن ما شهده العقد الأخير من استهداف ممنهج للهوية والتراث والثقافة والذاكرة الوطنية في الكثير من البلدان العربية، فلسطين والعراق وليبيا واليمن وسورية، يستوجب دعوة عاجلة لتأكيد حرص هذه البلدان على حفظ وتوثيق وصون وحماية تراثها وهويتها وذاكرتها الوطنية، مبينة أنه من قلب هذا الحرص، ولدت فكرة وثيقة وطن في الجمهورية العربية السورية في العام 2016، كمسعى مؤسساتي منهجي ومعرفي معني بالتأريخ الشفوي للذاكرة السورية الحية وتراثها الثقافي العريق.
وقالت شعبان: “منذ تأسيس وثيقة وطن، أدركنا في سورية جملة المسؤوليات المجتمعية، المعرفية والثقافية التي يفرضها ميدان عمل في التأريخ الشفوي، فالتأريخ الشفوي، الذي يناقش السرديات التاريخية السائدة والمهيمنة ويؤسس لسرديات مغايرة حيناً ومنافسة في بعض الأحيان، يحظى بمكان محوري في شبكة علاقات القوة الكامنة في إنتاج وإعادة إنتاج المعرفة وسد الثغرات المعرفية بخصوص الماضي وعلاقته بالحاضر والمستقبل”.
وتابعت:”وفي ضوء ذلك كان العمل على نشر ثقافة التأريخ الشفوي وتمكينها مجتمعياً وثقافياً أحد أهم أولوياتنا وقد قاربنا هذا العمل على عدة مسارات: أحد تلك المسارات كان في العناية الفائقة التي أولتها المؤسسة بعلمية ومنهجية التأهيل والتدريب وبناء القدرات والمهارات اللازمة للباحثين والمهتمين بالعمل في مجال التأريخ الشفوي بغية إعداد وتكوين فرق عمل بحثية مدربة بالمعنى الاحترافي بما يناسب حجم مشاريع المؤسسة وأنواعها، وتفعيل دور المؤسسة المجتمعي في تنمية وتأهيل الموارد البشرية المحلية وإثراء رأس المال الفكري كمساهمة تتطلع إليها المؤسسة في رفد العملية التنموية”.
ولفتت شعبان إلى أن وثيقة وطن بدأت بمسابقة الزمن لتسجيل روايات السوريين الذين عاشوا فصول حرب إرهابية على سورية استهدفت المؤسسات والذاكرة والهوية الوطنية والعيش المشترك، وكلما تقدمت في تسجيل وتدوين حكايا الناس شعرت أن الحاجة لهذا التدوين كبيرة وفي أكثر من مجال، مشيرة إلى أنه بالإضافة إلى إجراء أكثر من 1200 مقابلة لتسجيل شهادات أناس عايشوا الحرب على مساحة الجمهورية العربية السورية بدأت وثيقة وطن مشاريع تأريخ دور المرأة في زمن الحرب ودور الفن في الصمود في زمن الحرب، وخوفاً على تراثنا من هذا الاستهداف بدأت بتأريخ المونة السورية والتي كان لها تاريخياً دور مهم في صمود بلدنا عبر القرون، كما اجترحت مشاريع تدوين الحرف اليدوية التي هي عنوان الهوية التاريخية لسورية.