كرّس الجيش العربي السوري منذ تأسيسه عام 1945 عقيدته ممزوجة بإرادة شعبه وتطلعات الجماهير، ليس في سورية فقط بل على امتداد الوطن العربي، فلم يكن يوماً إلا جيشاً للوطن الكبير والأمة العظيمة، فكان متراسها في وجه المحن وسيفها في ضرب الأعداء الطامعين بها والساعين إلى كسرها والنيل منها، وقد أكد بالبرهان في ميادين القتال أنه بحق جيش عربي سوري فكتب تاريخه الوطني بمداد الشهداء وبطولات الجرحى وهمم الأبطال، تاريخ حافل بصفحات النضال المشرف ومعارك البطولة والرجولة التي خاضها وما زال دفاعاً عن كرامة الوطن والأمة.
بعد نجاح الثورة العربية في تحقيق الاستقلال والانعتاق من نير الاحتلال العثماني في أغلب الدول العربية ولا سيما في سورية أعلن عن تشكيل حكومة عربية مستقلة في العام 1918 وكان ذلك إيذاناً بتشكيل جيش وطني كان استحقاقه الأول التصدي لقوات الاحتلال الفرنسي في معركة ميسلون في العام 1920 ليتكرس الدور المهم والرئيس لهذا الجيش في جميع الأحداث والمحطات اللاحقة حتى إفشال الحرب الإرهابية على سورية وتطهير التراب السوري من رجس التنظيمات الإرهابية وكسر مخططات مشغليها.
وبعد فترة وجيزة على تأسيس الجيش العربي السوري في العام 1945 فرضت تطورات القضية الفلسطينية تأسيس ما سمي جيش الإنقاذ للتوجه إلى فلسطين لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ورغم أن الجيوش العربية حققت انتصارات محدودة إلا أنه شارك بفاعلية فيما سمي جيش الإنقاذ لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وتمكن من تحرير الجزء الشرقي من سهل طبريا وجانب كبير من سهل الحولة، وعندما بدأ العدوان الثلاثي على مصر من قبل جيوش بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني عام 1956 سجل الجيش العربي السوري حضوراً حاسماً ولافتاً أيضاً في الدفاع عن مصر الشقيقة وتمكن الضابط البحري السوري جول جمّال من إغراق المدمرة البحرية الفرنسية جان بارت بالتوازي مع قيام وحدات الجيش بنسف أنابيب النفط المارة من أراضي سورية لمنع تغذية دول العدوان بالنفط العربي ما شكل سبباً رئيساً في وقف هذا العدوان.
وبعد قيام ثورة الثامن من آذار جرى تكريس فكرة الجيش العقائدي وأصبح الدفاع عن الأمة العربية مهمة رئيسة من مهام الجيش العربي السوري فتصدّى لاعتداءات الكيان الصهيوني على الأردن عام 1953 وفي عام 1967 كان رأس الحربة في التصدي للعدوان الإسرائيلي وزاد دعمه للمقاومة الفلسطينية لتؤسس بطولاته أرضية صلبة لامتلاك زمام المبادرة والاستعداد لحرب تشرين التحريرية التي غيّرت وجهة تاريخ المنطقة.
ومنذ الأيام الأولى لقيام الحركة التصحيحية في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد تم توقيع اتفاقية عسكرية مع مصر للبدء بحرب التحرير وتم تعزيز علاقات الصداقة مع الاتحاد السوفييتي آنذاك لبناء القوات المسلحة فتعاظمت قوة الجيش واتخذ القرار الإستراتيجي ببدء حرب تشرين التحريرية على الجبهتين السورية والمصرية.
وتابع جيشنا دوره القومي فتصدى في حزيران من العام 1982 للغزو الإسرائيلي على لبنان وواجه بشجاعة الثقل الأساسي لذلك الغزو، وكبد العدو خسائر كبيرة ونجحت قواتنا في منع العدو من احتلال البقاع ومن السيطرة على طريق دمشق بيروت، وقدم لاحقاً الدعم اللامحدود لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان إلى أن تمكنت المقاومة اللبنانية من تحقيق التحرير في العام 2000.
تسعة وسبعون عاماً ويمسك رجال الجيش العربي السوري بنادقهم وأصابعهم على الزناد، عيونهم على تطهير كامل تراب سورية من الإرهاب وعلى الجولان العربي السوري المحتل الذي كان وما زال في القلب من سورية وبوصلة النضال حتى تحريره من براثن الكيان الصهيوني الغاصب.
والآن في ذكرى تأسيسه التاسعة والسبعين يستذكر السوريون تاريخاً مجيداً صنعه بواسل هذا الجيش، رجال كتبوا ملاحم عزة وفخار، ملاحم تنير القادمات من الأيام وتغرس في دروب الأجيال مشاعل نور تضيء ذاكرة الأمة وتدفع بأبنائها إلى المزيد من الجهد والمثابرة والبذل والعطاء صوناً للوطن ودفاعاً عن ترابه.