استنكرت سورية دعوة ما يسمى مؤتمر بروكسل إلى عدم عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، في تجاهل لدعوات أطلقتها ثماني دول أوروبية لإعادة تقييم السياسات الأوروبية الخاطئة واعتماد مقاربات جديدة تتيح العودة الطوعية، مؤكدة أنه كان الأجدى به تخصيص التمويل لتيسير ودعم هذه العودة عبر تعزيز مشاريع التعافي المبكر، وتوفير الخدمات والاحتياجات الأساسية، والتي تتطلب الرفع الفوري للإجراءات القسرية وسياسات العقاب الجماعي التي تنتهجها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بحق الشعب السوري.
وقال مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير قصي الضحاك خلال جلسة لمجلس الأمن اليوم: انعقدت قبل أيام قليلة النسخة الثامنة لما يسمى مؤتمر بروكسل من أجل مستقبل سورية والمنطقة، بمشاركة فاعلة لأطراف انخرطت مباشرة في دعم الإرهاب ونشر الفوضى والقتل والتدمير، وتم كالعادة الإعلان عن تعهدات لا يتم الوفاء بمعظمها ويقترن ما يتم تقديمه منها بسياسات تمييزية تحصر التمويل بالمناطق التي تنتشر فيها التنظيمات والميليشيات الإرهابية في شمال شرق سورية وشمال غربها، وتحجبه بشكل تمييزي غير إنساني عن ملايين السوريين في المناطق الأخرى.
وأوضح الضحاك أن مخرجات المؤتمر تبرز تجاهل القوى النافذة في الاتحاد الأوروبي للدعوات التي أطلقتها ثماني دول أوروبية مؤخراً لإعادة تقييم السياسات الأوروبية الخاطئة واعتماد مقاربات جديدة تتيح العودة الطوعية للاجئين، حيث تبنى المؤتمر موقفاً غريباً ومستهجناً يدعو إلى عدم عودة اللاجئين بزعم عدم توفر الظروف المناسبة لذلك حاليا، وسبقه الإعلان مؤخراً عن خطط لتقديم تمويل لبعض الدول المضيفة لإبقاء اللاجئين على أراضيها ومنعهم من الوصول إلى الدول الأوروبية.
وأشار الضحاك إلى أنه كان من الأجدى تخصيص التمويل لتيسير ودعم العودة الكريمة للاجئين إلى وطنهم عبر تعزيز مشاريع التعافي المبكر وسبل العيش، وزيادتها كماً ونوعاً، وتوفير الخدمات والاحتياجات الأساسية، والتي تتطلب الرفع الفوري والكامل وغير المشروط للإجراءات الانفرادية القسرية وسياسات العقاب الجماعي التي تنتهجها الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بحق السوريين فتدفعهم إلى الموت غرقاً في البحار واللجوء والهجرة بحثاً عن فرص العمل وكسب الرزق.
وبين مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أن إعلان البحرين الصادر عن القمة العربية في الـ 16 من الشهر الجاري تضمن التأكيد على ضرورة إيجاد الظروف الكفيلة بتحقيق العودة الكريمة والآمنة والطوعية للاجئين السوريين إلى بلدهم، بما في ذلك رفع الإجراءات القسرية الأحادية المفروضة على سورية، مجدداً في هذا الإطار المطالبة بإصدار الدراسة المتعلقة بآثار تلك الإجراءات على العمل الإنساني في سورية، والتي تعيق الدول الغربية إصدارها، والطلب أيضاً من الأمانة العامة للأمم المتحدة توجيه التعليمات لمكاتبها الإقليمية في المنطقة لإصدار تلك الدراسة بالسرعة الكلية.
وأكد الضحاك أن سورية تتعاون مع السلطات اللبنانية لتيسير العودة الطوعية لمئات اللاجئين السوريين من لبنان، وستواصل تعاونها في هذا المجال على الرغم من محاولات البعض التشويش على هذه العملية من خلال الترويج لادعاءات لا أساس لها من الصحة، مشددا على أن إعادة الأمن والاستقرار وتحسين الأوضاع الإنسانية في سورية تستوجب مكافحة الإرهاب، وإنهاء الوجود العسكري الأجنبي غير الشرعي، ووضع حد لما يرتبط به من أعمال عدوان ودعم لكيانات وميليشيات إرهابية ونهب للثروات الوطنية، وإعادة بسط سلطة الدولة وسيادة القانون على كامل ترابها الوطني، وإنهاء معاناة السوريين من سياسات الحصار والإرهاب الاقتصادي التي طالت آثارها الكارثية شتى جوانب حياتهم اليومية.
ولفت الضحاك إلى أن سورية تواصل تعاونها البناء مع الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة على أراضيها، وتقدم لها التسهيلات والدعم بما يسهم في الحد من معاناة السوريين والارتقاء بالوضع الإنساني والمعيشي، حيث وافقت على طلب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا تمديد الإذن الممنوح باستخدام معبري باب السلامة والراعي الحدوديين لمدة ثلاثة أشهر إضافية تنتهي في الـ 13 من آب القادم، لتيسير وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها من المدنيين السوريين في شمال غرب سورية، وهذا يعني وجود 5 معابر مفعلة ثلاثة منها عبر الحدود هي باب الهوى وباب السلامة والراعي واثنان عبر الخطوط هما سرمدا وسراقب.
وأوضح الضحاك أن سورية منحت أوتشا موافقات عدة لتسيير قوافل المساعدات عبر الخطوط من مدينة حلب إلى سرمدا، إلا أن التنظيمات الإرهابية لا تزال تمنع دخولها حتى تاريخه، وهو أمر ليس بالجديد حيث سبق وأن شهده ممثلو العديد من الجهات المانحة بأعينهم إثر كارثة الزلزال وما تبعها من محاولات سورية أممية لتسيير قوافل مساعدات عبر الخطوط، كما منحت سورية الأمم المتحدة موافقات لتسيير قوافل إلى منطقة تل أبيض.
وقال الضحاك: أخذت سورية علما بقرار أوتشا إنشاء وحدة التفتيش الإنساني التابعة للأمم المتحدة لتحل مكان آلية الرصد المنتهية ولايتها، إلا أن أوجه القلق حيال آلية العمل عبر الحدود لا تزال قائمة، الأمر الذي يدفعنا للتشديد مجددا على وجوب ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها من المدنيين السوريين ومنع تنظيم هيئة تحرير الشام الإرهابي والكيانات المرتبطة به من الاستيلاء على المساعدات وحرفها عن غايتها واستخدامها لتمويل جرائمها الإرهابية وشراء الولاءات.
وبين مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أنه على غرار الأعوام الماضية، تم بذل جهود كبيرة لتمكين الطلبة المقيمين في مناطق سيطرة التنظيمات والميليشيات الإرهابية في شمال غرب سورية وشمال شرقها من الخروج من تلك المناطق لتقديم امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة الجارية حالياً، وذلك لضمان متابعتهم التحصيل العلمي وعدم الإضرار بمستقبلهم، وبالرغم من تراجع الدعم المقدم من اليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي جراء انخفاض التمويل، تم استقبال آلاف الطلبة وذويهم وتقديم الدعم والتسهيلات اللازمة لهم في مراكز الاستضافة التي جرى تجهيزها، في حين منعت التنظيمات الإرهابية في إدلب خروج آلاف الطلبة الذين تحتجزهم في مناطق سيطرتها لأن هذه التنظيمات لا تريد العلم، بل تريد نشر الجهل والتخلف والتطرف بمساعدة للأسف من بعض الدول الغربية.
ولفت الضحاك إلى أنه في إطار جهود سورية المستمرة لضمان سيادة القانون ومبادئ العدالة، أصدرت وزارة الداخلية تعليمات مشددة تؤكد ضرورة التقيد بالمدد القانونية للتوقيف والتحقيق، وعدم اللجوء إلى طلب تمديدها لفترات طويلة إلا في الجرائم الجنائية الخطيرة، وتلافي كل أشكال المعاملة المسيئة للموقوفين والتي تنتهك أحكام المادة الـ 53 من الدستور وأحكام القانون رقم 16 لعام 2022 الخاص بتجريم التعذيب، إضافة إلى اتخاذ جملة إجراءات كفيلة بمنع الإضرار بالأبرياء، وكفالة حقوق المشتبه بهم وإبلاغ ذويهم بمكان وجودهم أصولاً.
وجدد الضحاك التأكيد على التزام سورية بعملية سياسية بقيادة وملكية سورية دون أي تدخل خارجي، وفي ظل الاحترام التام لسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، وهو المبدأ الأساسي الذي استهلت به جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، محملا الأطراف الأخرى ورعاتها المسؤولية عن عرقلة عقد الجولة التاسعة للجنة مناقشة الدستور في العاصمة العراقية بغداد.
وشدد الضحاك على وجوب اضطلاع الأمم المتحدة ومجلس الأمن بمسؤولياتهما لوضع حد للمجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي يومياً بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وما يرافقها من محاولات إسرائيلية لتفجير الأوضاع في المنطقة من خلال توسيع نطاق اعتداءاتها لتشمل الأراضي السورية ودولا أخرى والتي طال آخرها مدينتي حمص وبانياس أمس ما أدى إلى استشهاد طفلة وجرح عدد من المدنيين، وهي جرائم ما كانت لتستمر لولا الدعم الأمريكي والغربي الأعمى لـ “إسرائيل” وسياسات النفاق وازدواجية المعايير التي تنتهجها تلك الدول.