المقداد أمام الجمعية العامة: الإجراءات القسرية الغربية أداة للضغط والابتزاز السياسي وإرهاب اقتصادي وسيف مسلط على رقاب الشعوب ويجب رفعها
أكد وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد أن الإجراءات القسرية الغربية المفروضة على سورية وعدد من الدول تمثل أداة للضغط والابتزاز السياسي وإرهاباً اقتصادياً وسيفاً مسلطاً على رقاب الشعوب وعلى المؤسسات المالية وقطاعات التجارة والأعمال في الدول الثالثة التي باتت تحجم عن أي تعاملات مع الدول المستهدفة خشية أن تطالها هذه الإجراءات الجائرة، مشدداً على وجوب رفع هذه الإجراءات التي تتضاعف آثارها في سورية في ضوء الممارسات العدائية التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها وما يرتبط بها من أعمال عدوان واحتلال ونهب للثروات الوطنية وحرمان الشعب السوري منها.

وقال المقداد في بيان اليوم خلال اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة حول “إنهاء الإجراءات الاقتصادية القسرية الانفرادية التي تتجاوز الحدود الإقليمية كوسيلة للإكراه السياسي والاقتصادي” ألقاه بالنيابة مندوب سورية الدائم السفير قصي الضحاك: هذا الاجتماع مهم لكونه يبحث مسألة إنسانية بالغة الأهمية تعاني منها العديد من دولنا، ألا وهي مسألة الإجراءات القسرية أحادية الجانب التي تمثل أداة للإكراه والضغط الاقتصادي والابتزاز السياسي، وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة الذي أكد على مبدأ المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء، ووضع تحقيق التعاون الدولي والارتقاء بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها في مقدمة أهدافه.

وأوضح المقداد أن الجمعية العامة وسعياً منها لإنماء العلاقات الودية بين الدول وتعزيز التعاون الدولي على أساس من العدل والإنصاف، اعتمدت القرار 2625 في الـ 24 من تشرين الأول عام 1970 وتضمن “إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول” ونص في أحد بنوده على أنه “لا يجوز لأي دولة استخدام الإجراءات الاقتصادية أو السياسية، أو أي نوع آخر من الإجراءات، أو تشجيع استخدامها، لإكراه دولة أخرى على التنازل عن ممارسة حقوقها السيادية أو للحصول منها على أي مزايا”، وأعادت الجمعية التأكيد على موقفها هذا في القرار 3281 الذي اعتمدته في الـ 12 من كانون الأول عام 1974 وتضمن “ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية”.

وأشار وزير الخارجية والمغتربين إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها وبدلاً من الانخراط في التعاون البناء، اختاروا التخلي عن العمل الدبلوماسي والحوار السياسي، وانتهاج سياسات الهيمنة والحصار والإكراه والإجراءات القسرية أحادية الجانب، وعمدوا إلى وضع تصنيفات تفتقر لأي أساس عقلاني، على غرار ما يسمى بالقائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، لاستهداف دول أعضاء وإيجاد ذرائع للتدخل في شؤونها الداخلية ومحاولة النيل من سيادتها والمساس بخياراتها الوطنية.

وبين المقداد أنه زادت في السنوات الأخيرة وتيرة فرض الإجراءات القسرية الانفرادية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، واتسع نطاق هذه الإجراءات غير القانونية بمختلف أشكالها ومسمياتها، ما تسبب بصعوبات اقتصادية للدول المستهدفة ومعاناة إنسانية هائلة، وحرمان العديد من الشعوب من حقوقها الأساسية بما في ذلك الحق في الحياة الكريمة والصحة والغذاء والتنمية، وتعريضها لعقاب جماعي يمثل انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة الذي أناط فرض العقوبات بمجلس الأمن حصراً ووفقاً لمعايير محددة تضمنها الفصل السابع من الميثاق.

ولفت المقداد إلى أن الأمم المتحدة أدانت فرض الإجراءات القسرية الانفرادية باعتبارها انتهاكاً جسيماً لأحكام القانون الدولي ومبادئ ومقاصد الميثاق، وعقبة تحول دون التمتع بحقوق الإنسان، كما أكدت قرارات الجمعية العامة ذات الصلة أن تلك الإجراءات القسرية تؤثر بشكل مباشر وخطير على كل جوانب الحياة في البلدان المستهدفة، إلا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة والاتحاد الأوروبي اختاروا الاستمرار في إجراءاتهم القسرية ضاربين عرض الحائط بقرارات المنظمة الدولية ومبادئها، في تعبير عما تسميه تلك الدول “النظام القائم على القواعد” الذي لا يعرف أحد ماهيته، وتسعى تلك الدول لتكريسه بدلاً عن الميثاق.

وقال المقداد: سورية عانت لأكثر من أربعة عقود وما تزال من آثار الإجراءات غير الشرعية وغير الأخلاقية وغير الإنسانية التي فرضتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، واتبعتها وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي ودول أخرى بحزم متتالية زادت وتيرتها خلال فترة الحرب الإرهابية التي شنتها تلك الدول ذاتها على سورية لخنق الشعب السوري ومعاقبته على التفافه حول قيادته وتمسكه بخياراته ومواقفه الوطنية، موضحاً أن الآثار الكارثية لتلك الإجراءات القسرية طالت شتى نواحي الحياة اليومية للمواطن السوري، ومختلف القطاعات بما فيها الصحة العامة وتوفير اللقاحات والأدوية المنقذة للحياة ومستلزمات المشافي، وقطاع المياه والري، والقطاع المصرفي، والتبادلات التجارية، والتحويلات المالية، وقطاع النقل ومعدات الطيران المدني وقطع الغيار اللازمة، وقطاع الطاقة بما في ذلك توريد النفط ومشتقاته واستيراد قطع الغيار لتوفير الكهرباء التي تمثل شريان حياة للشعب السوري وللاقتصاد الوطني، كما لم يسلم القطاع الزراعي من هذه الإجراءات الأحادية التي حالت دون استيراد الأسمدة والبذار والآليات اللازمة للإنتاج الزراعي الذي يمثل ركيزة أساسية للاقتصاد، وعاملاً محورياً لتحسين الأوضاع المعيشية والحد من تراجع معدلات الأمن الغذائي، ناهيك عن أن تلك الإجراءات غير الشرعية تعرقل عودة اللاجئين والمهجرين إلى مناطقهم.

وأشار المقداد إلى أن الإدارة الأمريكية لم تكتف بذلك، بل تسعى لزيادة إجراءاتها غير الشرعية من خلال ما تطلق عليه زوراً صفة القوانين، مثل ما يسمى “قانون قيصر” و”قانون الكبتاغون” وغيرهما من أدوات الابتزاز والضغط السياسي والاقتصادي التي تستهدف كل من يحاول دعم سورية وشعبها، لافتاً إلى أن المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بآثار الإجراءات القسرية على التمتع بحقوق الإنسان إيلينا دوهان، أكدت إثر زيارتها سورية عام 2022 الآثار الكارثية والخطيرة التي ترتبها الإجراءات القسرية على تمتع الشعب السوري بحقوقه الأساسية، وما ألحقته تلك الإجراءات غير الشرعية بشتى قطاعات الحياة، وما خلفته من أضرار بالغة بالاقتصاد الوطني وبجهود التعافي وإعادة الإعمار.

وأوضح وزير الخارجية والمغتربين أن آثار تلك الإجراءات تتضاعف في ضوء الممارسات العدائية التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد سورية، وما يرتبط بها من أعمال عدوان واحتلال ونهب للثروات الوطنية وحرمان الشعب السوري منها، مجدداً التأكيد على أن الإجراءات القسرية تمثل إرهاباً اقتصادياً وسيفاً مسلطاً على رقاب الشعوب وعلى المؤسسات المالية وقطاعات التجارة والأعمال في الدول الثالثة التي باتت تحجم عن أي تعاملات مع الدول المستهدفة خشية أن تطالها الإجراءات الأمريكية الجائرة.

وأكد المقداد أن التجارب أثبتت زيف ما يتم الترويج له في بعض الأحيان عن استثناءات إنسانية من تلك الإجراءات، وهو ما اختبرته سورية في ظل جائحة “كوفيد 19″، وإثر كارثة الزلزال المدمر الذي شهدته في شباط من العام الماضي، مبيناً أن الدول التي ترى في تلك الإجراءات أداةً لسياستها الخارجية دأبت على الترويج لمبررات واهية لتبرير سلوكها الإجرامي بحق الشعوب المستهدفة، إلا أن تلك المبررات لن تغير من حقيقة أن تلك الإجراءات تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ والقواعد الأساسية للقانون الدولي والقانون الدولي العرفي، وتعد أفعالاً غير مشروعة دولياً ترتب مسؤولية على الدول التي تفرضها.

وجدد المقداد دعوة سورية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتعزيز وتوحيد جهودها من أجل التصدي للإجراءات القسرية أحادية الجانب وسياسات التجويع والحصار، ومطالبتها أيضاً بالرفع الفوري والكامل وغير المشروط لكل أشكال الإجراءات القسرية أحادية الجانب التي تفرضها الدول الغربية على سورية وروسيا وإيران وكوريا الديمقراطية وكوبا وفنزويلا وبيلاروس ونيكاراغوا وزيمبابوي وإريتريا ومالي ودول أخرى، كما تؤكد سورية ضرورة التوقف عن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول، واحترام سيادتها التي كفلها الميثاق والقانون الدولي.

وأشار وزير الخارجية والمغتربين إلى أنه تقع على الأمم المتحدة مسؤولية قائمة وملحة تتمثل في دفع العمل الجاد والعاجل متعدد الأطراف لمعالجة هذه المسألة، واتخاذ ما يلزم من إجراءات ووسائل كفيلة بمنع اللجوء إلى هذه الإجراءات غير الشرعية، والتعويض عن الآثار السلبية الناجمة عنها، مطالباً بعقد جلسات للجمعية العامة بشكل أكثر تواتراً حول هذا البند، للتعامل مع هذه المسألة بشكل فاعل، والاستماع إلى إحاطات وتقارير الأمانة العامة حول الجهود المبذولة لإنهاء هذا الانتهاك السافر لأحكام القانون الدولي ومبادئ الميثاق، معرباً عن تطلع سورية للتقرير الخاص المطلوب من الأمانة العامة بشأن آثار الإجراءات القسرية غير الإنسانية على الشعب السوري، وعلى عمل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية العاملة في سورية.
2024-06-13