أكدت اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء أن السياسات السعرية دقيقة وحساسة جداً وتسعى لإقامة توازنات عدة مخططة ومدروسة بين التكلفة والسعر والقيمة والقوة الشرائية وقوى العرض والطلب، مشيرة إلى أنها تنطلق في مقاربتها لملفات تسعير منتجات القطاع العام من سياسة إدارة السوق المحلية بما يضمن دورتي الإنتاج والاستهلاك الكليين.
وقالت اللجنة في بيان أمس:
تداولت بعض المواقع الإعلامية مادة إعلامية حول تعامل اللجنة الاقتصادية مع ملف تسعير مادة الاسمنت، ويفيد اللجنة بيان الآتي:
– تنطلق اللجنة الاقتصادية في مقاربتها لملفات تسعير منتجات القطاع العام من سياسة إدارة السوق المحلية بما يضمن على السواء دورتي الإنتاج والاستهلاك الكليين حرصاً على ديمومة واستمرارية النشاط الاقتصادي. ويعد قطاع الإنشاء والعمران من أهم القطاعات الاقتصادية والخدمية، بل والاجتماعية في أي بلد من البلدان، وفي أي وقتٍ من الأوقات، فكيف إذا كانت الحالة في بلد يعاني منذ ما يزيد على اثني عشر عاماً من الحرب ضد الإرهاب ودخل في مرحة إعادة الإعمار والبناء، التي تعتمد قبل كلِّ شيءٍ على توفر مادة الاسمنت وبأسعار مناسبة تتيح لهذا القطاع الحيوي المزيد من النمو المدروس والمخطط.
– تدرك اللجنة الاقتصادية الفجوة الواسعة قليلاً أو كثيراً بين تكلفة أسعار منتجات القطاع العام من سلعٍ وخدمات من جهة وتكلفة إنتاجها من جهة أخرى. فالحديث عن الفرق بين أسعار التكلفة وأسعار المبيع لا ينطبق فحسب على مادة الاسمنت، بل إن مثال مادة الاسمنت ليس إلا مثالاً بسيطاً جداً عن سياسة التسعير التي تعتمدها الحكومة السورية، وتتولى اللجنة الاقتصادية متابعتها في سياق التوازن في إدارة الطلب والعرض الكليين. وتلقي الحكومة العبء الأكبر في سياق إدارة هذا التوازن على الخزينة العامة للدولة التي تتحمل تمويل العجوزات التي وصلت إلى عدة عشرات آلاف المليارات من الليرات السورية، وليس فقط عدة مليارات في قطاع الاسمنت، في سبيل ديمومة دورة النشاط الاقتصادي الوطني. فالحكومة، وذراعها الاقتصادية المتمثلة باللجنة الاقتصادية، لا تقارب التسعير كسياسة اقتصادية واجتماعية، من البوابة الضيقة للربح التجاري البحت، بل من الباب الواسع لإدارة النشاط الاقتصادي والاجتماعي الوطني. وفي هذا السياق، نذكِّر بأن ثمة أمثلةٌ أخرى أكثر بروزاً وأكثر حضوراً من مادة الاسمنت، كالحديث عن حجم الدعم الكبير في مادة الخبز، والمازوت، والبنزين والكهرباء والماء، والتعليم، والصحة وغيرها الكثير في قائمة طويلة من المنتجات المدعومة بشكل مباشر وملموس أو بشكل غير مباشر، ولا سيما في القطاعات الحيوية كالقطاع الزراعي والصناعي والخدمي على وجه التحديد.
– لا ترتبط أهمية المادة بكونها مادة غذائية أو دوائية فحسب. فاستمرار النشاط الاقتصادي مرتبط بقطاع البناء والتشييد، ما هو مرتبط بالقطاعين الغذائي والدوائي. ومئات آلاف العاملين في قطاع البناء والتشييد، من الضروري أن يستمروا في نشاطهم وعملهم حتى يحصلوا على ثمن غذائهم ودوائهم. فهذا القطاع الخدمي الحيوي، ليس ترفاً في بلدٍ عانى من تهديم ممنهجٍ لبناه التحتية والسكنية طيلة عقدٍ من الزمن، ولا بد من التعاطي مع هذه الحقيقة بكلِّ مسؤولية في مرحلة إعادة الإعمار والبناء.
– السياسات السعرية، سياسات دقيقة وحسّاسة جداً، تسعى لإقامة عدة توازنات مخططة ومدروسة بين التكلفة، والسعر، والقيمة والقوة الشرائية وقوى العرض والطلب. فتقييم سعر مادة الاسمنت لا يستند فحسب إلى تغطية تكاليف الإنتاج بل إلى توفير مدخلات مناسبة لقطاع البناء والتشييد سواء في القطاع العام أم في القطاع الخاص. فعندما درست اللجنة الاقتصادية في الأسبوع الماضي موضوع أسعار بعض المنتجات في القطاع العام من الغاز، والاسفلت والاسمنت، تم التوقف مطولاً وبكل هدوء ومسؤولية عند توجهات الأسعار، حيث تم تحريك أسعار الاسمنت، بشكلٍ نسبيٍّ مقارنة مع تكاليف الإنتاج، فيما تم الإبقاء على أسعار الاسفلت على صعيد القطاع العام بهدف استكمال مشاريع وخطط القطاع العام لهذا العام رغم الفوارق الكبيرة بين تكاليف الإنتاج وأسعار المبيع، ورغم العجوزات الكبيرة التي لا تزال تتحملها الخزينة العامة للدولة، وذلك حرصاً على تنفيذ خطط التنفيذ في ضوء واقع القوة الشرائية.
– بالمقابل، لا يمكن للجنة الاقتصادية أن تقارب السياسة السعرية لأحد المنتجات بغض النظر عن بقية المنتجات في السوق المحلية. ومن المعروف أن الحكومة كانت قد اتخذت خلال الأشهر السابقة عدة خطوات هامة كماً ونوعاً في سياق إعادة هيكلة بعض أسعار المواد المدعومة. وفي هذا السياق، تم التريث في تحريك أسعار عدة منتجات أخرى حينها، ومنها مادة الاسمنت حرصاً على تهدئة السوق، وامتصاص حال عدم الاستقرار التي تنتج من تحريك الأسعار، والعمل بمبدأ التدرج في معالجة الموضوعات الهيكلية في الاقتصاد الوطني.
– ثمة سوق سوداء واسعة لمادة الاسمنت، وهذا ما يؤثر بشكل سلبي في استقرار هذا القطاع وتسعى الحكومة واللجنة الاقتصادية لمعالجة هذا الخلل في توزيع وتسويق المادة عبر عدة مستويات، منها على سبيل المثال اتخاذ ما يلزم لدمج مؤسستي الاسمنت وعمران بهدف توحيد سياسات إنتاج وتسويق المادة وضبط هذه السوق بأفضل السبل الممكنة بشكل هيكلي ودائم، وليس من مدخل الأسعار فحسب.
– تستمر اللجنة الاقتصادية، برعاية من مجلس الوزراء، بمتابعة موضوع إعادة هيكلة الدعم، وإعادة مقاربة سياسات سعرية متراكمة الأثر منذ عدة عقود، وتوجيهها على أسس من الكفاءة والعدالة والشفافية وديمومة النشاط الاقتصادي والاجتماعي، ومثل هذا التوجه لا يمكن أن يحدث بين عشيةٍ وضحاها بل هو نهج مستمر يتعاطى مع معطيات الواقع بما يصب في المصلحة الوطنية العليا، وفق متطلبات التحرك المناسب على صعيدي المكان والزمان.