آخر المخالب الأمريكية

وزارة الإعلام

محمد كنايسي


مع أن ماجرى ويجري في بعض الدول العربية، تحت غطاء الربيع العربي المزعوم، كان يحمل منذ البداية الكثير من المؤشرات والدلائل على أهدافه الأمريكية الصهيونية المغلّفة بالشعارات الثورية والديمقراطية والحقوقية البرّاقة، فإن قوة النفاق السياسي، والتضليل الإعلامي، نجحت في حجب حقيقته، وخداع الكثيرين ممن صدّقوا أكذوبة الربيع، فإذا به شتاء قارس، أمطاره من دم، وعواصفه من خراب ودمار.
اليوم، وكما أوضح السيد حسن نصر الله في كلمته أول أمس، لم تعد حقيقة الأهداف خافية على أحد، إلا من يرفض رؤيتها قصداً، ويتمسك بحقيقة زائفة مسبقة الصنع. ولا شك في أن اللعب الآن بات مكشوفاً تماماً، وأن مشروع استهداف وحدة الدولة الوطنية أرضاً وشعباً في البلدان العربية، ولاسيما سورية والعراق، يدخل واحدة من أخطر مراحله، ألا وهي مرحلة التدخل التركي العسكري الإجرامي المباشر، بعد أن كان دور النظام التركي في السابق يقتصر على احتضان الإرهابيين وتدريبهم وتسهيل مرورهم إلى البلدين مستغلاً حدوده الطويلة المشتركة معهما. ولولا هذا الدور الذي يُعدّ انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وجريمة موصوفة لا لبْس فيها، لما استطاع الإرهاب التكفيري، بمختلف تسمياته، أن ينجح في السيطرة على المناطق التي سيطر عليها في سورية، كما في العراق، ولا أن ينجح في البقاء طوال هذه الأعوام السوداء المتخمة بمجازره الوحشية. فعن طريق النظام التركي كان يتمّ مده بالرجال والمال والسلاح، بالرغم من صدور قرارات مجلس الأمن الدولي التي تمنع دعم الإرهاب وتمويله، والتي بقيت حبراً على ورق للأسف. وعن طريق النظام التركي، وبمساعدته، كانت جحافل الإرهابيين تهاجم بالآلاف الأراضي السورية، وتسيطر على المناطق القريبة من الحدود التركية. وعن طريقه أيضاً تم إدخال «داعش» إلى الموصل، واحتلالها في زمن قياسي، ووفق سيناريو، تكشفت فصوله التآمرية فيما بعد.
اليوم، وبعد أن بدأ العدّ التنازلي للقضاء على الإرهاب التكفيري في سورية والعراق، واتضح أن تحرير حلب والموصل بات أمراً وشيكاً، وأنه يتمّ في سياق إجماع وطني على وحدة التراب والشعب في الدولتين اللتين تمثلان أهم مراكز الثقل الحضاري والثقافي والسياسي للعروبة في المنطقة، وجدت أمريكا في حليفتها الأطلسية، ورئيسها المصاب بجنون العظمة العثمانية، الأداة المناسبة لتحقيق أهدافها التقسيمية الخبيثة. ولولا الموافقة السياسية الأمريكية الضمنية على الدور التركي العدواني الجديد، لما أمكن للسلطان، ورئيس وزرائه، أن يقولا ماقالاه من هرطقات بخصوص سورية والعراق، تعكس الأطماع التركية في البلدين، والانخراط الأردوغاني الكامل في تنفيذ المشروع الأمريكي الصهيوني الرجعي في المنطقة.
إذا كان من قبيل المصادفة نشر إحدى الصحف التركية المقرّبة من أردوغان خرائط لتركيا القديمة التي كانت تضم مناطق من سورية والعراق، ولاسيما حلب وإدلب، والموصل وأربيل، فهل هي مصادفة أن يدعو أردوغان إلى إعادة النظر باتفاقية لوزان التي رسمت حدود تركيا الجديدة؟!. وهل هي مصادفة أن يخاطب السلطان الجديد رئيس الوزراء العراقي بتلك اللهجة الاستعلائية التي تنتهك كل قواعد التعامل السياسي والدبلوماسي بين الدول، حتى في حالات الخلاف بينها، وأن يصرّ على إبقاء جيشه في العراق، والمشاركة في معركة تحرير الموصل، رغم أنف العراقيين، كل العراقيين؟!. وبماذا يمكن تفسير النوستالجيا العثمانية المريضة التي أتحفنا بها الرئيس التركي، وهو يقول إنه يعترف بالحدود العراقية رغم ثقلها على قلبه. ألا يكاد المريب بهذا أن يقول خذوني؟!.
وعندما يقول أردوغان إن إرهابييه سيتقدمون نحو مدينة الباب لتحريرها من «داعش»، ويتحدث عن منطقة آمنة في شمال سورية، ويؤكد أن نظامه سيفعل كل مايلزم مع شركائه في التحالف، في مدينة الرقة، وكأن الأمر يتعلّق بمناطق تركية، وليس بمناطق سورية هي جزء لايتجزأ من أرض الدولة السورية، وتنضوي تحت سيادتها، حتى وإن كانت تحت احتلال «داعش» مؤقتاً، عندما يقول كل ذلك، بل ويقوم نظامه الإجرامي بتصعيد عدوانه على سورية، وارتكاب المجازر بحق المدنيين في شمال حلب، فهل ثمة أدنى شك في حقيقة أطماع السلطان السفاح في شمال سورية، وشمال العراق، في سياق المشروع الأمريكي الصهيوني القاضي بتفكيك المنطقة العربية، وإحكام الهيمنة عليها؟!.
من هنا جاء تحذير السيد حسن نصر الله من الأطماع الأردوغانية في الموصل وحلب، وتأكيده على أن معركة محور المقاومة مستمرة حتى القضاء على الإرهاب في سورية، وإسقاط مشروع تقسيمها والسيطرة عليها. ذلك أن محور الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة لم يفقد الأمل بعد في تحقيق أهدافه، رغم كل الضربات الموجعة التي تلقّاها من الجيش العربي السوري وحلفائه. وها هي أمريكا، وهي تمارس أسوأ أنواع النفاق السياسي، تلعب آخر أوراقها، وتراهن على المخلبين التركي والإرهابي التكفيري لخدمة مشروعها في سورية والعراق، حيث تتطلع وحلفاؤها إلى استثمار سياسي في الموصل يقضي بتقسيمها، بحجة تحريرها من «داعش»، بينما تفتح لإرهابييه المجرمين منافذ المحافظة العراقية للهرب إلى سورية، ليساعدها في كسب المعركة ضد الدولة الوطنية السورية.
وعلى هذا فمن الواضح أن تحرير الموصل ليس هدف أمريكا كما تدّعي، بل إن هدفها الحقيقي هو، بالإضافة إلى استثمار الحدث في خدمة هدف انتخابي رئاسي داخلي، تقرير مصير المحافظة، بما يخدم مصالحها ومصالح شركائها الإقليميين، وهو ما لن تسمح به الإرادة الوطنية العراقية التي تقف بالمرصاد للمخطط الأمريكي، وتصرّ على عدم التفريط بوحدة الموصل محافظة عراقية موحدة أرضاً وشعباً.
ومن الواضح أيضاً أن معركة حلب التي لم يترك محور الإرهاب وسيلة عسكرية، أو سياسية، إلا واستخدمها، لمنع الجيش العربي السوري وحلفائه من كسبها، ستُحسم في أقرب وقت ممكن، وبما يُفشل الرهانات الأمريكية، ويُلجم الأطماع العثمانية.

 

2016-10-25