الانفصام في مشروع الانفصال "النموذج السوري"

وزارة الإعلام

 د. بسام أبو عبد الله 

عبر صفحات «الوطن» السورية كتبنا أكثر من مقال حول المشروع الانفصالي الكردي الذي تقوده قوى تُسمي نفسها «ديمقراطية»، وتخطف اسم «سورية» لتتاجر باسم «سورية الديمقراطية»، وهو مصطلح رنّان- طنّان يُصدر إلينا عبر الأطلسي حتى أصبح مصطلحاً ممجوجاً، مقرفاً لكثرة ما كرره كثيرون على أسماعنا، وخاصة أولئك الجالسين في فنادق النجوم الخمسة بصفة «معارضين»، أو الذين يجلسون في حضن الوطن ويطعنونه بالظهر ألف مرة في اليوم.

مناسبة هذا الحديث هو ما تابعناه من تصريحات لما يسمى الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي السيد صالح مسلم سواءٌ عبر صحيفة السفير اللبنانية بتاريخ 25/10/2016، أو عبر قنوات فضائية خلال الأيام الماضية، ومن أين!! من بروكسل عاصمة الناتو!!
بغض النظر عن رفضنا الكامل لمشروع الفيدرالية المشبوه، والمُصنع في مختبرات مشروع الشرق الأوسط الجديد، فإن التناقضات الصارخة في حديث السيد «مسلم» تجعلنا نطرح تساؤلات كبيرة حول أهداف حزبه، وارتباطاته الخارجية، وتحوله إلى أداة في مشروع أميركي- غربي- إسرائيلي يستهدف أمن سورية، ووحدة أراضيها، كما يستهدف العديد من دول المنطقة بما فيها «إيران، وتركيا»، وهو كلام يجب أن نقوله بوضوح، وصراحة، ذلك أن مشروع كردستان الكبرى مرسوم على الخرائط، ومنشور، وواضح، ولا حاجة لأن يُمرر علينا تحت لافتة «الفيدرالية أولاً» ثم «الانفصال ثانياً»- على مبدأ «داعش» (التمكين أولاً)… وربما يكون هذا الكلام قاسياً، ولكننا مللنا من حملة «الاستحمار» التي يقودها أصحاب المشروع الانفصالي، وكأنهم يقررون مستقبل سورية وحدهم، ويحددون لنا كسوريين شكل النظام السياسي، والإداري، والدستور، والمؤسسات، وبأن وصفتهم السحرية هي الحل الوحيد لخلاص سورية.
تساؤلاتنا تكمن في التناقض الصارخ فيما يدعو إليه السيد «مسلم» في حديثه لصحيفة السفير:
1- في مسألة التحالفات: يبدو السيد «مسلم» عاجزاً عن الإجابة عن سؤال واضح: كيف يمكن لواشنطن أن تدعمكم، وتدعم حليفتها أنقرة؟
جوابه يدل على خواء، وتبعية إذ يقول: إن واشنطن تخبرهم أن تركيا هي عضو في الأطلسي، وهذه هي سياستهم، ونحن نحاول معهم، لكنهم لا يغيرونها… ليخلص السيد «مسلم» للقول: يعني الأميركان لا يجيبون عن الأمر بكل وضوح!!!
ليعود، ويظهر هوية تحالفاته بالقول: نحن لا نتعامل مع التحالف إلا من خلال قوات سورية الديمقراطية، وضد داعش فقط، وحتى الآن لم يخالف التحالف وعوده، ليكشف أنه يحاول توسيع التعاون من الناحية السياسية!!! ماذا يعني تعاون عسكري مع قوى العدوان على سورية، وشعبها!! وماذا يعني وجود مطارات للحوامات لما يسمى قوات «التحالف الدولي»!!! وماذا يعني وجود مرتزقة شركات أمنية أميركية فيما يسمى قوات سورية الديمقراطية!!! ثم ماذا يعني رفع علم الولايات المتحدة الأميركية في بعض مناطق سيطرة ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية»!!! وإذا كان الأمر يتجه من التعاون العسكري على الأرض إلى التعاون السياسي فأي ثمن لدى «صالح مسلم» وحزبه ليدفعانه للأميركان، ولأي غاية وهدف سوى تقسيم سورية، وإضعافها، وهو الهدف الأساسي للأميركان من خلال دعم التكفيريين والانفصاليين!!
2- في مسألة السيادة: يتباكى السيد «مسلم» على السيادة السورية ويلوم الحكومة السورية بسبب عدم دفاعها عن مواطنيها الأكراد، وهو بذلك يحاول أن يصطاد في الماء العكر!! ذلك أن الدولة السورية قامت بكل ما هو مطلوب منها سياسياً، وقانونياً، أما عسكرياً فهو يعرف قبل غيره، أن الجيش العربي السوري لديه أولويات عسكرية يعمل عليها، وبدلاً من أن يلوم الدولة السورية، عليه أن يسأل نفسه: من الذي داس على سيادة بلاده وعلمها؟! أليست قواته التي يسميها ديمقراطية؟!
أليست ميليشياته هي من هاجم الجيش السوري في محافظة الحسكة، واعتدى على مؤسسات الدولة، وسرق منشآتها وآلياتها، وأغلق المدارس، وأراد فرض سلطة أمر واقع على الناس والدولة في محاولة لتمرير «مشروعه الفيدرالي» المشبوه- بالقوة- والسلبطة- والبلطجة…
من يدعِ الحرص على السيادة السورية فعليه أن يرفع العلم العربي السوري، ويحترمه كرمز للدولة، وعليه أن يحرص على مؤسسات الدولة، وأن يقدم نفسه كديمقراطي- كما يقول- وليس بلطجياً كما يمارس.
الحرص على السيادة لا يمكن أن يكون بالتحالف مع الأميركي، ومحور العدوان على سورية وشعبها، ولا يمكن أن يكون بحساسية عالية تجاه التركي، وبسعي محموم للتعاون السياسي مع الأميركي، فالبطولة أن تحدد موقفك من الأميركي، ومشاريعه أولاً قبل التركي، وخوفك على المستقبل نابع من التيه الذي تعيشه أنت، واتباع المشروع الانفصالي المسمى (فيدرالية)… لأنك مجرد أداة من أدوات مشروع كبير لا حول لك ولا قوة سوى الانتظار على أرصفة الدول الكبرى.
3- في مسألة الخوف من العلاقة بين دمشق وأنقرة:
أنا من الذين لم ينكروا يوماً وجود مشروع تركي عثماني، وقد كتبت الكثير من مخاطر سياسات الحزب الحاكم في تركيا، وفشلها المحتوم، وانعكاساتها على تركيا نفسها، وهو ما بدأ يدركه تيار عقلاني في أنقرة، وخاصة أن مخاطر التقسيم التي كان البعض في تركيا يستبعدها بدت ماثلة أمامهم بكل قوة… إذ كان المشروع الأميركي يقوم أساساً على إدخال تركيا كحصان طروادة في المنطقة لتقسيمها مع ضمانات لأنقرة بأن تكون حاضناً للكانتونات الكردية التي ستنشأ في الشمال السوري، ولكن الأتراك اكتشفوا أنهم مهددون بالتقسيم، وأن ما يجري في شمال سورية، وفي العراق هو منصات من أجل ضرب وحدة تركيا لاحقاً.
السؤال الذي يطرح هنا: لماذا يخشى صالح مسلم من العلاقة بين دمشق وأنقرة أكثر من العلاقة بين أنقرة وموسكو!!. كما يقول في صحيفة السفير.
-يجيب بنفسه عن هذا السؤال بالقول: إنه يخشى مما يجري تحت الطاولة!
وأنا أقول بوضوح شديد: لا شيء تحت الطاولة واذا حدث شيء ما في المستقبل فسوف يعلم به الشعب السوري، لأن الدولة السورية حريصة كل الحرص على شعبها، ورأيها العام، الذي قدم آلاف الشهداء من أجل وحدة سورية، واستقلالها، وليس لديها ما هو تحت الطاولة، وفوق الطاولة!.
– لا أعتقد أن الخشية من خط دمشق- أنقرة هي خشية صالح مسلم فقط، بل خشية الأطراف الدولية التي تخطط لتقسيم دول المنطقة، واستخدام كل دولة ضد أخرى، لأنه بمنطق الجغرافيا السياسية لا مخرج لسورية وتركيا إلا بالتنسيق بينهما لمنع مشاريع التقسيم التي تستهدف دول المنطقة كافة من دون استثناء.
-إن حديث السيد «مسلم» الممجوج حول مطالبته بالفيدرالية كي يبقى سورياً، أمر مستغرب ومرفوض، ذلك أنه بهذا الطرح يجرّ جزءاً من الأكراد إلى مشروع لا أفق له في ظل رفض وطني سوري شعبي، كما أن القول إن كل القوى العظمى تقبل بهذا الطرح! هو استقواء بالأجنبي على حساب رأي وإرادة الشعب السوري التي هي الأساس، وصاحبة القرار الحصري والوحيد.
– المشكلة ليست في الذهنية التركية كما يقول صالح مسلم، وإنما في ذهنية الانفصام لدى أصحاب مشروع الانفصال، الذين يعتقدون أن الدولة ألعوبة في أيديهم، فحينما يأخذون جرعة أميركية يدمرون مؤسساتها، وحينما يرميهم الأميركي على قارعة الطريق يصرخون مستنجدين بالدولة لتدافع عنهم، ويتحدثون عن البيت الواحد، وعن اللون الأحمر، والأخضر وكأن صالح مسلم يريد تعليم السوريين احترام التنوع، والتعدد، وهم مدرسة العالم أجمع، ونموذجه الفريد.
-النصيحة له، ولغيره من المعولين على أميركا: عودوا إلى بيتكم السوري الواحد، واحترموا دولتكم، وجيشكم، وحكومتكم، وساعتئذٍ لن تكونوا إلا جزءاً من انتصار السوريين..!

2016-10-27