.
وزارة الإعلام
يجمع معرض نسائيات مبدعة في صالة لؤي كيالي حوالي 35 فنانة، وهو ما يُحسب له، مع قلة المعارض النسائية عموماً، قدمن فيه مذاهب فنية متنوعة ومستويات متفاوتة، لم تخرج بعضهن عن الشكل الفني المعروف عنها, منهن نهى جبارة التي طرحت فكراً ذاتياً بحالات تعبيرية للوجه والتنقلات بين الحركة واللون ودلالاتهما النفسية، ومزجت بين النحت والتصوير، بحس غرافيكي قوي، ولينا رزق التي تعمل على تفاصيل الوجه لكونها تختصر شخصية الإنسان وتجاربه ومعاني وجوده، أيضاً قدمت عناية بخاري تبسيطاً للطبيعة عبر الطباعة على الشاشة الحريرية، وفي مجمل إنتاجها الفني قراءة في الطبيعة، محاولة رسم الإنسان من خلالها لكن لم تقدم أياً منهن حالة مختلفة عن منتجها بالعموم، أو لوحة خصيصاً للمعرض.
الاختلاف في الإنتاج الفني مع الحضور الخجول، شمل النحت أيضاً، حيث قدمت أمل زيات نماذج مصغرة للوجوه والجسد، أبرزت فيها التفاصيل والمنحنيات، مع ملامح لوجه يشبه ما نعيشه هذه الأيام، وحالة عناق إنسانية ربما تكون لامرأة ورجل، قدمتها سراب عروس، في حين ركزت فاطمة أبو جبل، على الانحناءات العرضانية لمنحوتة ميزها شكل طويل.
غياب التمرد فنياً مقابل، الاستكانة لمجرد العرض أو الاستهانة بالفكرة عامة، كان مفاجئاً ومحزناً، ومع ذلك رأى الفنان أنور الرحبي أن الغاية من المعرض ليست في تحديد ما يتضمنه من زوايا باهتة أو مضللة أو غير ذلك، الفكرة تجميعية لأصوات نسائية بغض النظر عما قدمنه، ولا تنفصل فكرة المعرض، حسب قوله، عما حاول البعض تصديره خلال الأزمة، من أن معظم الأعمال الفنية باهتة، إذ إن عدداً من المجموعات خارج سورية كانت تؤكد أن الأزمة خلقت شيئاً سلبياً عند المبدعين الذي خرجوا من سورية، ويُقال إن أولئك كانوا يشكلون الصف الأول فنياً، أما من يعمل حالياً في بلدنا فهم من الصفوف الأقل، والحقيقة غير ذلك في رأيه، فحين تجمع صالة لؤي كيالي عدداً من الفنانات حول نص بصري فهذا غنى في حد ذاته، ولاسيما في ظرف كالذي نعيشه، وفي وقت يقول فيه البعض إن إبداعنا صار باهتاً.
الاختلاف حول ما يقدم كمستوى وتكنيك حالة طبيعية، لكن غاية المعرض، والكلام للرحبي، هو تسليط الضوء على صوت أنثوي له منصوص اعتباري يقدم الأنثى كأنثى بشكل جمعي، ويقدم صوتها، بأنها موجودة وفاعلة، وعلى مبدأ الدراما، هناك قيم موجودة وموزعة بين من ينشدها ومن يلغيها. ومِن الضرورة أن يعلم الجميع بأن اتحاد الفنانين التشكيليين لم يُملِ موضوعاً على أي فنانة، ولطالما كان سباقاً في التأكيد على أن الحرية، التي يناشد بها الآخرون، موجودة في ذوات الفنانين الذين لم يلزمهم أي شكل من أشكال السياسة في عملهم، أما ما يتعلق بالمنصوص البصري فلكل فنانة وجهة نظرها في تقديم موضوعها، وهناك تفاوت في الخبرات فالبعض صاحبات تجارب والأخريات يرسمن كهواية أو تخرجن حديثاً في كلية الفنون الجميلة.. هناك أكثر من جيل في المعرض.
الفنان إبراهيم حميد شاركنا عدم إعجابه بالعنوان «نسائيات مبدعة» على اعتبار أن الفن لا يعترف بمضمونه كفرق جوهري، ربما يحلل الفنان الرجل مواضيعه الفنية بطريقة عقلانية أكثر من الفنانة المرأة التي تتجه إلى عاطفتها كأمومة وأنوثة تبعاً لثقافتها وبيئتها، لكن بالعموم يجب أن نحترم الفكرة, استرعى انتباهه عدد من المشاركات فالبعض قدمن الوجوه وحمّلنها أشكالاً وتعبيرات مختلفة، بينما أخريات قدمنها كعنصر تشكيلي فيه عناصر عدة، وربما كان ذلك لاستعراض قدراتهن فنياً، مع شيء من التقليدية الساذجة مقابل عمق في العنصر التشكيلي وأبعاده في عدد قليل من اللوحات، لكن الغلبة كانت للفنانات الهاويات بعيداً عن عنصر الدهشة، ولم يخف حميد خيبته أمام ما شاهده.
الفنانات مقلّات عموماً في الإنتاج الفني، وقليلاً ما نرى معارض فردية لهن، ليقتصر حضور الفنانة التشكيلية السورية على المشاركة في المعارض الجماعية، وهذا ينعكس على غيابهن عن الساحة إعلامياً، وهنا تعليق للفنان بشير بشير: «على الفنانة السورية أن تنقل واقعنا الحالي إلى لوحتها، والأهم أن يكون لها حضور ثابت مع طرح متجدد وثري», وفي المحصلة غياب الجدية والاهتمام، حقيقة غابت في «نسائيات مبدعة» سواءً بكسر الدال أو فتحها.