تباً لخيار النعامة..!

تتبدى البراغماتية الأميركية في مفاصل عديدة من ظواهر السياسة والقرار الأميركي وخاصة في الملفات الدولية تبعاً للتطورات والمستندات والتحويلات في قائمة الأولويات وتكون فاقعة في تعبيراتها عند انتقال سدة الرئاسة من الديمقراطيين إلى الجمهوريين أو بالعكس.

لم يمض شهر بعد على جلوس بايدن على كرسي البيت الأبيض خلفاً لنظيره ترامب ومع ذلك غطت القرارات البراغماتية على غيرها، فما كان مرفوضاً في عهد ترامب أصبح متاحاً في حقبة بايدن وهذا لا يعني أن إستراتيجية الولايات المتحدة القائمة على الهيمنة تغيرت، فصناع القرار في عمق السلطة والاقتصاد الأميركي يرسمون ويضعون الأسس والمبادئ، بينما يتولى المنفذون إنجاز الإستراتيجيات التي تقوم بمجملها على أولوية تعزيز هيمنة واشنطن وحلفائها على القرار الدولي وعدم المساس بالمصالح الأميركية والأمن القومي الأميركي.

فبعد أقل من شهر من تولي بايدن مهامه أصبح متاح التراجع والمناورة في ملفي اليمن وإيران و بالمقابل تصاعد لهجة التصعيد في الموقف من روسيا الاتحادية و الصين إلى درجة التلويح بالحرب النووية التي تفنى وتدمر العالم.

قد يسأل البعض لماذا ظل الموقف الأميركي على حاله بالنسبة لسورية؟ والجواب بسيط لأن المواقف الفعالة والمؤثرة المناهضة لموقف واشنطن وحلفائها وخاصة الحكومة السورية لم تتغير و من المأمول أن يتغير موقف واشنطن وهو ما ترجحه بعض الدوائر السياسية و بعض المسؤولين الأميركيين السابقين.

فالحكومة السورية ترفض التدخل الأميركي في الشأن الداخلي السوري بشكل قاطع و الإملاءات في الحل السياسي وتعرقل محاولة واشنطن وحلفائها تعويض ما فشلوا تحقيقه بالحرب العسكرية والإرهابية عبر المفاوضات و الضغوط السياسية والاقتصادية.

وبالنسبة لإيران لم يكن التبدل في القرار الأميركي من رافض لأي مفاوضات مع طهران قبل الاستجابة للشروط التي أعلنتها إدارة ترامب إلى مبادرة الإدارة الجديدة للحوار والعودة للاتفاق النووي لولا إصرار الحكومة الإيرانية على مواقفها وتعزيز قدرات بلادها الدفاعية ووصول الضغوط الأميركية المتعددة الأوجه إلى الحائط المسدود وانعدام جدوى الحرب عليها بالنظر للمخاطر الوخيمة على المصالح الأميركية والحلفاء في حال العدوان على إيران.

وعلى الجبهة اليمنية بدت البراغماتية الأميركية حدية بين ليلة وضحاها وتحول قرار حلف العدوان من رافض للتفاوض مع ممثلي الشعب اليمني إلى خيار إنهاء الحرب والذي بدل موقفه ليس الحكومة الوطنية اليمنية التي صمدت وتحدت دول العدوان بل بعض الدول الخليجية التي استجابت لمتطلبات التحول في القرار الأميركي.

إن التصعيد الأميركي تجاه بكين وموسكو لا يعني إطلاقاً الذهاب بعيداً وصولاً إلى الحرب المدمرة بل هو محاولة لتحسين شروط التفاوض على الملفات الخلافية وحسابات واشنطن محفوفة بالمخاطر في ظل رفض البلدين العودة إلى واقع العلاقات الدولية ما قبل ٢٠١٠ ولذلك تعمل إدارة بايدن على اجترار أساليب مجربة سابقاً مثل تناول موضوع حقوق الإنسان والحرية السياسية إضافة إلى تغذية الخلافات الداخلية ودعم المعارضين وأصحاب الأفكار الانفصالية.

يحتل العرب في موضوع المعادلات الإقليمية والدولية ذيل الترتيب كأمة تتغنى بتاريخها العريق بينما في الواقع معظم الدول العربية تفضل (سلوك النعامة) بدلاً من مواجهة العابثين بمصالحهم و المستهترين بسيادة بلدانهم ولولا صمود سورية في هذه الحرب وتصدي الشعب اليمني لتحالف العدوان لكان الواقع العربي في قاع أسوأ مما هو عليه الآن بكثير.

إن الدول العربية ليست ضعيفة لأنها لا تملك مقومات القوة بل لأن غالبية أنظمتها فاقدة الإرادة وسيادة القرار، و(البعابع)التي تخاف منها في المنطقة تستمد قوتها من ضعف وتشتت العرب وتفضيلهم لـ(سلوك النعامة، والانحناء أمام العاصفة..وغيرها من الخيارات) التي تزيدهم ضعفاً وارتهاناً.

بقلم: أحمد ضوا

2021-02-14