الرئيس الأسد : جوهر المشكلة السورية هو التدخل الخارجي، دفع الأموال، إرسال السلاح والإرهابيين إلى سورية

وزارة الإعلام

 

أكد السيد الرئيس بشار الأسد أنه لو لم يكن هناك أمل بالنصر لدى المواطنين لما صمدت سورية أربع سنوات ونصف السنة، وأن هذا الأمل هو الذي يشكّل الحافز لمواجهة الإرهابيين والمخطط الذي رُسم لسورية وطُبق عليها كما طُبق على عدد من الدول العربية الأخرى.

وأوضح الرئيس الأسد في مقابلة مع قناة "المنار" اللبنانية  أمس، أن الاعتماد في الثقة بالنصر هو على الشعب بعد الله، مضيفاً: لو لم يكن لديك دعم شعبي فلا يمكن لك أن تصمد، إن لم يكن لديك دعم شعبي لا قيمة لأي توجه سياسي أو وطني تتبناه كرئيس أو مسؤول أو كدولة، الاعتماد الأول على الشعب، ثانياً على الأصدقاء الذين يقفون مع سورية بصلابة ويدعمونها في المنطقة وفي العالم.

كما أكد الرئيس الأسد أن جوهر المشكلة السورية هو التدخل الخارجي، دفع الأموال، إرسال السلاح والإرهابيين إلى سورية. وأضاف: عندما نصل إلى المرحلة التي تتوقف فيها الدول المنغمسة بالتآمر على سورية، بسفك الدماء السورية، عندما تتوقف هذه الدول عن دعم الإرهاب عندها نستطيع أن نقول إننا وصلنا إلى ربع الساعة الأخير لأن التفاصيل الأخرى مما يسمى حلاً سياسياً أو مساراً سياسياً أو أي شيء مشابه أو أي إجراءات أخرى تصبح تفاصيل سهلة ليست ذات قيمة، بمعنى ليست جوهرية في حل المشكلة، أي إنها تصبح تفاصيل يمكن الاتفاق عليها. وأضاف: حتى مكافحة الإرهابيين الموجودين الآن داخل سورية عندما يتوقف الدعم الخارجي تصبح أسهل بكثير.

أما في ما يتعلق بالمسار السياسي والحوار، فقال الرئيس الأسد: إن المسار السياسي لكي يكون له تأثير، لابد أن يكون بين قوى سياسية سورية مستقلة تنتمي للشعب السوري، جذورها سوريّة، فقط داخل سورية وليس كما نراه الآن في كثير من القوى التي نحاورها، مرتبطة بالخارج مالياً وسياسياً، فلذلك إذا أردنا أن نتحدث عن الحوار السياسي والمسار السياسي فهو ضروري ليس فقط لحل الأزمة وإنما لتطوير سورية، ولكن حتى الآن لم تتكوّن العوامل الضرورية أو البيئة المناسبة لكي نصل بهذا الحوار إلى نتائج نهائية، وخاصة مع استمرار دعم الإرهاب الذي يشكّل عائقاً كبيراً في وجه أي عمل سياسي حقيقي ومنتج على الأرض.

أما بشأن اعتداءات العدو الإسرائيلي على الأراضي السورية، فقد استذكر الرئيس الأسد تجربة لبنان مع هذا العدو، إذ إن الذي جرّأ "إسرائيل" على اللبنانيين هو أن جزءاً منهم كان يرتبط بالخارج، والبعــــض منهــــم يرتبط بـ "إسرائيل"، والبعض يستدعي ويستجلب التدخل الخارجي بأشكاله المختلفة، وهذا أعطى صورة الضعف وبالتالي التجرؤ على لبنان، وقال: الشيء نفسه بالنسبة لسورية عندما تكون هناك مجموعات سورية تقبل بالتعامل مع الأعداء، من "إسرائيل" إلى الأعداء والخصوم الآخرين وتستدعيهم للتدخل في سورية فهذا يُجرّئ الآخرين على الوطن، ولكن اليوم الأداة الإسرائيلية الحقيقية الأهم من هذا العدوان هي الإرهابيون في سورية، أي إن ما يقومون به هو أخطر بكثير مما تقوم به "إسرائيل" من وقت إلى آخر من أجل دعمهم، هم أساس المشكلة، إذا أردنا أن نواجه "إسرائيل" علينا أولاً أن نواجه أدواتها داخل سورية، لا يمكن أن تواجه العدو الخارجي ولديك عدو داخلي، لابد من حسم هذا الموضوع داخل سورية، عندها ستعود الأمور كما كانت ولن يتجرأ أحد على سورية، لا"إسرائيل" ولا غيرها.

وأكد الرئيس الأسد أن العامل الأهم هو وجود من هو مستعد للتعاون مع العدو الصهيوني، ومن هو قابل أن يتعالج في مشافيه، من هو جريء لدرجة الوقاحة أن يكتب علناً على مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها "المديح" لـ"إسرائيل" التي تقوم بقصف بلده.

 وأضاف الرئيس الأسد: قوة البلد بالدرجة الأولى قبل أن تعتمد على الجيش أو على النظام السياسي أو على أي شيء آخر تعتمد على وحدة الشعب، الشعب طبعاً بمعظمه موحّد، ولكن عندما تكون هناك بؤر من العمالة والخيانة وأيضاً بؤر من التطرف والإرهاب فهذه نقاط ضعف لا يجوز أن ننكرها، هذه العوامل لا بد من التعامل معها، عندها تصبح العوامل الأخرى ثانوية.

وحول تقوّلات البعض وما تداوله الإعلام المعادي بشأن ما قاله الرئيس الأسد في خطابه الأخير من أن الوطن ليس لمن يسكن فيه وإنما لمن يدافع عنه ويحميه، أوضح الرئيس الأسد أنه كان يتحدث عن السوريين حصراً وليس غيرهم، معيداً تأكيد أن الدفاع عن الوطن لا يكون فقط بحمل البندقية والدفاع عنه، وقال: الدفاع عن الوطن هو حسب الهدف المطلوب، على سبيل المثال، الخصوم والأعداء أرادوا لسورية "السقوط" أو في مرحلة من المراحل إن لم يكن "السقوط" ممكناً فليكن الشلل الآن بكل مناحي الحياة تمهيداً لـ"السقوط"، فكل من يواجه هذا الشلل يدافع عن وطنه، كل من يقوم بعمله اليومي، الموظف، التاجر، الطبيب الذي يعالج مريضاً، الشخص الذي يساعد فقيراً، الإنسان الذي يحاول نشر القيم الوطنية والأخلاق العالية.. كل هؤلاء يدافعون عن الوطن، هناك أشخاص لا يقيمون في الوطن، يقيمون في الخارج، ولكن يدافعون عن سورية كلٌ بحسب موقعه وبحسب إمكاناته، كل هؤلاء هم وطنيون، وهناك أشخاص يقيمون في الوطن ولكنهم يتمنون كل يوم لو تكون هناك غارات "ناتو" على سبيل المثال، وربما دخول بري لقوات أجنبية، فأنا لا أقصد الوجود بالمعنى الحرفي، ولا أقصد الدفاع بالمعنى الحرفي لحمل بندقية، وإنما أقصد كل من يدافع عن الوطن بأن يزيد مناعة الوطن ويُقوّي كل العوامل التي تبقيه واقفاً في وجه هذه الهجمات.

وبشأن عمل المبعوث الأممي إلى سورية ستافان دي ميستورا وما يصدر عنه من اتهامات للدولة السورية، قال الرئيس الأسد: نحن اعتدنا على هذا الموضوع، فمن الصعب أن يأتي شخص بموافقة الولايات المتحدة والغرب لأنه حيادي، لو كان حيادياً لما أتوا به، الآن نرى تلك التصريحات غير الحيادية، يتحدث عن سقوط قتلى عند الإرهابيين، طبعاً بالنسبة لهم كل قتيل هو "مدني وبريء" وكأنه "لا يوجد إرهابيون ولا يحملون سلاحاً"، وفي الوقت نفسه عندما يسقط شهداء من المدنيين بسبب قصف الإرهابيين بالصواريخ لمدينة دمشق أو حلب أو أي منطقة أخرى في سورية لا نسمع أي تصريح، فهذا هو الدور المطلوب منهم، إن لم يقوموا بهذا الدور فلن يكون لهم مكان وسيأتي شخص آخر، هذه حقيقة.

وأضاف الرئيس الأسد: عندما طرح موضوع المصالحة في حلب دعمناه بشكل مباشر، لم نتردد بغض النظر عن الشخص. عملياً بالعلاقات الدولية القضية لا تُبنى على الثقة، ما يكون اليوم صحيحاً يصبح غداً غير صحيح وتنقلب الأمور باتجاه آخر، وإنما هذه العلاقات تبنى على الآليات، القضية ليست علاقة شخصية، عندما تكون علاقة دولة مع دولة، دولة مع منظمة دولية، دولة مع شخص يمثّل الأمم المتحدة أو منظمة دولية أو دولاً، تصبح العلاقة هي علاقة آليات، لكي نقول: إننا نستطيع أن نسير مع دي ميستورا في مبادرته يجب علينا أن ننتظر ما هي المبادرة المنطقية، وما هي الآليات المناسبة لتطبيق هذه المبادرة، مبادرة حلب كانت مبادرة جيدة ولكن لم توضع الآليات ولم يُسمح له بوضع آليات أو بطرح آليات، لذلك لم نتمكن من دعمه لأن المبادرة انتهت ووئدت في مهدها، فهذه الصورة متكررة مع كل هؤلاء الوسطاء، لذلك إن لم يطرحوا طرحاً يناسبنا ويناسب مصالحنا الوطنية لن ندعمهم ولن نسير معهم.

وبشأن السياسة الروسية أكد الرئيس الأسد أنها سياسة مبدئية وهي تزداد مبدئية وبالتالي عندما يخرج وزير الخارجية الروسي في أكثر من تصريح ويخرج مسؤولون آخرون روس يصرّحون باللغة نفسها وبالسياق نفسه باتجاه معين فعلينا أن نعرف أن السياسة الروسية هي سياسة ثابتة، مع تأكيد أن روسيا لا تدعم شخصاً أو تدعم رئيساً، وقال: أساساً غير مقبول من دولة أن تدعم رئيساً، هذا يعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية. روسيا تدعم مبادئ محددة، سيادة الدولة، سيادة الشعب، قرار الشعب، وهذا الشعب يضع النظام السياسي المناسب ويختار وينتخب الرئيس الذي يناسبه. هذا هو مبدأ السياسة الروسية، وهذا لم يتغيّر ولكن روسيا لم تقل أساساً في يوم من الأيام إنها تدعم الرئيس فلان والآن تخلّت عنه.

وتابع الرئيس الأسد قائلاً: نحن نثق بالروس ثقة كبيرة، وأثبتوا خلال هذه الأزمة منذ أربع سنوات أنهم صادقون وشفّافون معنا بالعلاقة، ومبدئيون، هذه نقاط مهمة، لذلك عندما يلتقون أطرافاً مختلفة لا يوجد لدينا قلق بأن هذه الأطراف ستشوش الصورة الحقيقية بالنسبة للروس، الروس لديهم علاقات وثيقة مع سورية وقادرون على معرفة كل ما يحصل بدقة، ونعتقد أن هدف الروس هو جلب القوى السياسية باتجاه الحوار من أجل قطع الطريق على دعوات الحرب. هذا هو الهدف ولكن بالمحصلة لن يكون هناك اتفاق على شيء إلا إذا جلسنا كسوريين مع بعضنا البعض، وتحاورنا مع بعضنا البعض، ولن يكون الروسي هو من يفرض أي حل. فلذلك نحن نشجع على اللقاء بكل القوى ونرتاح عندما يلتقي مسؤول روسي أي شخص من دون استثناء.

وأضاف الرئيس الأسد: هذه اللقاءات هي بهدف الوصول إما لـ"جنيف3" أو "موسكو3". طبعاً هذا يعتمد على الأجواء الدولية وليس فقط ما تفكر به روسيا، أو ما تفكر به روسيا مع سورية، هناك قوى مختلفة في مقدمتها الولايات المتحدة. هل يذهبون باتجاه "جنيف أم موسكو"، الفارق بينهما هو أن موسكو ستكون بهدف الوصول إلى قاسم مشترك، عندما نصل إلى "جنيف3" يكون "جنيف3" أسهل وتكون احتمالات فشل جنيف أقل بكثير لكي لا نكرر "جنيف1" و"جنيف2" الذي لم يحقق شيئاً وكانت نتيجته صفراً بشكل مطلق.

وحول ضوابط ومحددات الموقف السوري إزاء أي مبادرة، قال الرئيس الأسد: أولاً، سيادة سورية ووحدة الأراضي السورية.. قرار الشعب السوري بمعنى أنه لن يكون هناك إملاء من أي جهة، ويجب أن يكون القرار بالنهاية قراراً وطنياً صافياً.

وأضاف: عملياً، يجب أن تكون هناك قاعدة لأي مبادرة، تبدأ وتستند وترتكز على مكافحة الإرهاب، أي مبادرة ليس فيها بند مكافحة الإرهاب كأولوية ليست  لها قيمة.. كيف نضعها في جدول زمني؟  هذا موضوع آخر. هذه تفاصيل، ولكن هذه هي الأسس والضوابط والمحددات في أي مبادرة.

وفي جانب آخر وإذا ما كان هناك علاقة بين الأزمة في سورية وتوقيع الاتفاق النووي الإيراني أوضح الرئيس الأسد أن سورية لم تكن جزءاً من المفاوضات النووية، وأن القوى الغربية حاولت بكل الأشكال وبكل السبل والوسائل أن تُقنع إيران بأن يكون الملف السوري جزءاً من الملف النووي، بهدف أن تتنازل إيران عن أشياء لها علاقة بدعم سورية مقابل أن تحصل على أشياء تريدها في الملف النووي، مضيفاً: الموقف الإيراني كان حاسماً حول هذه النقطة ورفض بالمطلق أن يكون هناك أي ملف يُدمج أو يكون جزءاً من ملف المفاوضات النووية، وطبعاً هذا القرار قرار صحيح وموضوعي وذكي.

وقال الرئيس الأسد: تحالفنا مع إيران عمره الآن ثلاثة عقود ونصف العقد، فما الجديد عندما نكون مع إيران، نحن في الأساس علاقتنا قوية ونحن حلفاء، نحن مع إيران، وإيران مع سورية في مفاصل مختلفة، عندما كانت الحرب الظالمة على إيران كنا معها واليوم الحرب الظالمة على سورية إيران معنا، فما الذي يختلف في أي تحالف جديد؟

وتابع الرئيس الأسد: اليوم إيران في ساحة دولية جديدة.. الأفق أوسع بالنسبة لإيران لكي تمارس دوراً على الساحة الدولية، لم يكن هذا الأفق موجوداً منذ بضع سنوات.. قوة إيران ستنعكس قوة لسورية وانتصار سورية سينعكس انتصاراً لإيران، ولكن مبادئ التحالف هي نفسها، لذلك أقول المسألة ليست أن نقترب أكثر، فنحن أساساً مقتربون ولدينا وجهات نظر متشابهة ولدينا مبادئ واحدة، ندعم القوى نفسها، نحن محور واحد هو محور المقاومة.. فهذه المبادئ الأساسية لا تتغيّر، ربما تتغيّر بعض التكتيكات، ربما تتغيّر بعض النتائج على الأرض، هذا ما أقصده.

وفي شأن آخر قال الرئيس الأسد: العروبة هي هوية، لانستطيع أن نستغني عنها. أنت تنتمي إلى عائلة ربما يخطئ معك شخص أو أكثر من هذه العائلة لكن لو غيّرت كنيتك فأنت ستبقى تنتمي إلى هذه العائلة بتربيتك وهويتك، بطباعك، بكل شيء فيك، فأنت لا تستطيع أن تخرج من الهوية. الهوية العربية ليست خياراً، أن تنتمي إلى دين معيّن وقومية معيّنة هي هويتك، مضيفاً: جوهر القضية الآن والحروب التي تحصل ليس إسقاط أنظمة، هي مرحلة، هي أداة، وليس ضرب الدول وتخريب الاقتصاد، كل هذه وسائل. الهدف النهائي هو ضرب الهوية. فعندما نصل إلى هذه المرحلة من الكفر بشكل مسبق فنحن نعطي الأعداء هدية مجانية من دون الحاجة لاحقاً لأي تدخل عسكري أو عبر الإرهابيين، هذه هي الرسالة.

وفي ما يتعلق بالتنسيق مع العراق لجهة مواجهة الخطر ذاته، قال الرئيس الأسد: هناك وعي كبير في العراق لوحدة المعركة لأن العدو واحد والنتائج واحدة، أي بمعنى ما سيحصل في العراق سينعكس على سورية والوضع في سورية سينعكس على العراق، فعندما نوحّد المعركة كما يحصل الآن بيننا وبين حزب الله في لبنان، الساحة واحدة وعندما نوحّد البندقية سوف نصل إلى النتائج الأفضل بزمن أقصر وبثمن أقل.

وفي شأن متصل، أكد الرئيس الأسد أن حزب الله أتى إلى سورية بالاتفاق مع الدولة السورية، والدولة السورية هي دولة شرعية وبالتالي هي تمثل الشعب السوري، هي دولة منتخبة ولديها دعم أغلبية الشعب السوري، فمن حقها أن تدعو قوى للدفاع عن الشعب السوري. بينما القوى الأخرى إرهابية أتت من أجل قتل الشعب السوري وأتت أيضاً من دون إرادة الشعب ومن دون إرادة الدولة التي تمثّل هذا الشعب.

وعن علاقة سيادته بسماحة السيد حسن نصر الله قال الرئيس الأسد: إنها علاقة وثيقة عمرها الآن أكثر من عشرين عاماً، ولكن أعتقد أن أي شخص تابع هذه العلاقة وتحديداً سماحة السيد، لاحظ أن العلاقة تتسم بالصدق.. بالشفافية، لأنه هو شخص صادق بشكل مطلق، شفاف بشكل كامل، مبدئي إلى أقصى حدود المبدئية، وفيّ لأقصى حدود الوفاء لمبادئه وللأشخاص الذين يعمل معهم، لأصدقائه، لكل من يلتزم معه بغض النظر عن موقع هذا الشخص أو تلك الجهة، العلاقة علاقة دولة مقاومة مع شخص مقاوم حقيقي قدّم ابنه شهيداً دفاعاً عن لبنان.

وبشأن مصطلح "وقف إطلاق النار"، قال الرئيس الأسد: أولاً، كمصطلح نحن نرفضه لأن وقف إطلاق النار يحصل بين دول وجيوش ولا يحصل بين دولة ومجموعات إرهابية، نحن نتحدث أحياناً عن وقف عمليات أو تهدئة، نعطيها هذه التسميات، ولكن عندما كنا نسأل المبعوثين، نقول لهم الكلام نفسه، إذا كنتم تريدون وقف إطلاق النار، مَنْ هي المجموعة، مَنْ هو قائدها، مَنْ هو الذي سيلتزم أمامكم، ما هو عددهم، كانوا يقولون: "نحن نقيّم وجود ليس المئات بل أكثر من ألف"، البعض قال: "ألف ومئتا مجموعة"، ربما مع الدمج أصبحوا الآن مئات.

وأضاف: لا يوجد شخص يضمن كل هذه المجموعات على الرغم من معرفتنا أنها تابعة لقوى أخرى، فلا نستطيع أن نقول: إن تلك القوى قادرة على أن تُلزِم تلك المجموعات بقرار معين لأن هذه المجموعات أيضاً جزء من عمليات سطو ونهب أموال وفساد وفسوق، فهو يلتزم بالقرار إذا كان يناسب مصالحه، لذلك لن تتمكن أي مجموعة وأي دولة وأي جهة من أن تُلزم هذه الأطراف بأي تهدئة أو بأي وقف للأعمال القتالية ولو لفترة وجيزة.

وبشأن المقترح الروسي عن تكتل لمحاربة الإرهاب، قال الرئيس الأسد: في العمل السياسي أنت تريد أن تحقق هدفاً ولابد أن يكون هذا الهدف يحقق مصلحة الشعب في سورية، أي تحالف أو عمل أو إجراء أو حوار يؤدي إلى وقف نزيف الدم السوري يجب أن يكون بالنسبة لنا أولوية وأن نذهب باتجاهه من دون تردد، ما يعنينا في هذا الموضوع هو النتيجة على الأرض، منطقياً لايمكن لدول وقفت مع الإرهاب أن تكون هي الدول التي ستحارب الإرهاب، ولكن يبقى احتمال بسيط بأن هذه الدول قررت التوبة أو عرفت أنها كانت تسير بالاتجاه الخاطئ، أو ربما لأسباب مصلحية بحتة قلقت من أن ينتشر هذا الإرهاب باتجاه بلدانها فقررت أن تكافح الإرهاب، لا يوجد أي مانع، المهم أن نتمكن من تشكيل تحالف يكافح الإرهاب، لذلك في سورية أطلق عليه وزير الخارجية السوري تسمية «المعجزة» لأنه يظهر كالمعجزة، ولكن ماذا لو حصلت، هل نرفضها؟ بكل تأكيد لا نرفضها، سنسير معها.

وحول التصعيد السعودي، قال الرئيس الأسد: إذا كانت هذه الدولة بالأساس تدعم الإرهاب فما قيمة التصعيد أو غياب التصعيد أو التهدئة، إذا هدأ بالكلام وهو يدعم الإرهابيين، هذا ما يعنينا، النتيجة واحدة، أي إنه بتصعيد ومن دون تصعيد ما زالت الدولة السعودية تقوم بدعم الإرهابيين في سورية، هذه حقيقة الكل يعرفها، فالتصعيد هنا ليس له معنى، إذا أردنا أن نتحدث عن التصعيد اللغوي الذي ذكره وزير الخارجية السعودي، نستطيع أن نرد بكلام مشابه، أن نتساءل: ماذا نتوقع من مجموعة، من فئة لم تدخل عصر الحضارة الإنسانية؟ هل نتوقع منها كلاماً أخلاقياً أم موضوعياً أم ذا بعد سياسي أم حصيفاً، ولا واحدة.

وفي جانب آخر أكد الرئيس الأسد أنه إذا كان الحوار سيعطي نتائج فلا بد أن يكون حواراً بين سوريين وطنيين جذورهم في سورية، ويجب أن يستند إلى شخصيات وطنية مؤثرة، مضيفاً: المشكلة الآن أننا.. لا أريد أن أقول إنها ليست مؤثرة، لا، هذا كلام غير دقيق، هناك تأثير بنسب مختلفة ولكن المشكلة الأكبر أن الجزء الأكبر من الذين نحاورهم ليسوا من الشخصيات الوطنية، هذا ما تفرضه الدول التي تدعم الإرهاب في سورية وتتدخل في موضوع الحوار، هي تفرض وجود شخصيات تمثل تلك الدول ولا تمثل الشعب السوري، فلذلك نحن بحاجة إلى معيار، الوطنية هي معيار ولكن أيضاً التأثير على الأرض هو معيار آخر وخاصة بعد أن رفض الإرهابيون التعامل مع ما تسمى «المعارضة الخارجية» بشكل واضح ومعلن.

وحول تدريب واشنطن لـ«معارضين سوريين» أكد الرئيس الأسد أن هذه الحلقة هي سلسلة تآمر مستمر على سورية في مراحل مختلفة، لن تتوقف عند هذه الأزمة، وهذه الحلقة بحد ذاتها لن تغير شيئاً من سياق الإرهاب في سورية لأنها لو لم تقم بتدريب هؤلاء فهناك دول أخرى تدرب غيرهم وهناك دول أخرى تقوم بدعم الإرهاب وترسل السلاح والمال، فلن يتوقف مسار الأحداث في سورية على هذه المجموعة. وأضاف: هناك شيء أكبر وأخطر نقلق منه وهو عدم رؤية الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة لخطر الإرهاب وماذا يعني أن ينتصر الإرهاب في منطقة مثل منطقتنا، لا يتوقف الأمر اليوم على سورية.. ليبيا، سورية، مصر، اليمن، حتى في لبنان والعراق وغيرها من الدول، عندما لا يفهمون هذه الأخطار والمخاطر علينا أن نقلق أكثر من هذا الحدث الصغير بحد ذاته.

وبشأن المواقف الأمريكية قال الرئيس الأسد: التشدد والتساهل هما مظهر من مظاهر الموقف الأمريكي لا يجسد حقيقة السياسة الأمريكية، والتشدد والتساهل الهدف منهما أحياناً حرب نفسية، أحياناً إرسال رسائل للوبيات الموجودة داخل الولايات المتحدة، أحياناً رسائل لحلفاء أمريكا وعملائها في المنطقة، لذلك قراءة هذه المواقف لا تعطي الصورة الحقيقية للموقف الأمريكي. الأمريكي مرَّ ربما بمراحل ولكن نرى منها مرحلتين أساسيتين الأولى هي: عندما خدع بالمواقف العربية التي صوّرت له أو ربما من داخل أمريكا هو من صوّر للمؤسسات الأمريكية بأن «إسقاط الدول ممكن واستبدالها سهل والنتائج ستكون مضمونة»، أتت النتائج في دول مختلفة بعكس ما يتوقعونه. انتقلوا الآن إلى مرحلة هي مرحلة الضياع، لا يعرفون كيف يوجهون الأمور، طبعاً هذه الحالة – حالة الضياع – ومعرفة بأنهم كانوا على خطأ لا يعني أنهم سيتحولون بالاتجاه الإيجابي وسيصبحون مع الدول التي فعلاً تكافح الإرهاب، ما يقوم به اليوم بالمختصر لا يسمح للإرهاب ربما بالانتصار ولكن لا يسمح له بالضعف لدرجة أن يكون هناك استقرار. فهو يترك الأمور تسير باتجاه الفوضى وإضعاف الدول –كل الدول–  وليس فقط سورية، حتى حلفاءه ومنها تركيا، يريد أن يضعف هذه الدول ريثما يكون هناك واقع جديد يفرض على الأمريكي أو ربما يسهّل على الأمريكي اتخاذ قرار باتجاه معين يخدم مصالحه. لذلك التشدد والتساهل ليسا شيئاً يُبنى عليه بالنسبة لنا.

وفي ما يتعلق بالكلام التركي عن «المنطقة العازلة» قال الرئيس الأسد: أردوغان لديه أحلام، أحلام كبيرة، أن يكون زعيماً، أن يكون سلطاناً إخوانياً، هو يريد أن يدمج ما بين تجربة السلطنة وتجربة «الإخوان المسلمين» الجديدة التي بنى آماله الكبيرة عليها في البدايات في مصر وتونس بالدرجة الأولى. الآن انهارت هذه الأحلام بحكم الواقع، بقيت لديه آمال بأن يستجيب أسياده له لأن أردوغان وربيبه أوغلو أثبتا في هذه الأزمة أنهما مجرد دمى لديهما حلم كبير الآن في سورية هو «حلم المنطقة العازلة» وهو الحلم الأخير بعد فشل كل أحلامهما السابقة في سورية ولكن هما بانتظار إشارة من «الناتو» أو من الأمريكي لكي يقول له «نعم سنقيم المنطقة العازلة وأنت ستكون أساسياً فيها». فهما لديهما أحلام ولكن لا يستطيعان أن يتحركا باتجاه هذه الأحلام إلا إذا أشار إليهما أسيادهما بهذا الاتجاه.

وفي الإطار ذاته وحول حديث الأردن أيضاً عن «منطقة عازلة»، تساءل الرئيس الأسد: الأردن.. تتحدث عن قرار أردني، أم عن قرار أمريكي؟ لذلك عندما تتحدث دولة ما أو مسؤول ما.. علينا أن نسأل ما مدى استقلالية هذا المسؤول وتلك الدولة لكي يعبّر عن رأيه، عدا عن ذلك فهو يعبّر عما طُلِب منه أن يعبّر عنه, وأضاف: حتى الآن معظم الدول العربية تسير بحسب المقود الأمريكي، وليس لديها أي دور ولو عبرت عن رأيها بشكل ربما مخالف في بعض الأحيان، فهو كالطفل الذي يتدلل على أمه ليس أكثر من ذلك.

أما بخصوص مصر فقال الرئيس الأسد: لاشك بأن العلاقة بين سورية ومصر والعراق لها خصوصية لأن هذه الدول هي أساس الحضارات العربية عبر التاريخ، وهي كانت دينامو السياسة عبر التاريخ العربي، فنحن نحرص على العلاقة مع مصر بكل تأكيد.. حتى خلال وجود الإخونجي مرسي كرئيس لمصر وكل إساءاته إلى سورية لم نحاول أن نسيء إلى مصر، أولاً، لأهمية هذه العلاقة، وثانياً، لأن التواصل بين سورية ومصر لم ينقطع حتى في ظل مرسي.. هناك عدد من المؤسسات في مصر رفضت قطع العلاقة واستمرت بالتواصل مع سورية وكنّا نسمع منها خطاباً وطنياً، خطاباً قومياً، أخوياً يعبّر عما كنّا نراه من الشارع المصري, وأضاف: مع مرور الوقت.. مع اتّضاح الصورة لما يحصل في المنطقة وفي سورية، كنّا نرى أن هذه اللغة تتصاعد، لأن هذه العلاقة موجودة وليست مقطوعة، ولكن لا توجد بشكل ظاهري كما نريد.. السبب هو أن مصر دولة مهمة وبكل تأكيد من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق إلى الخصوم في المنطقة يركّزون الضغوط على مصر لكي لا يسمحوا لها بأن تلعب دورها المأمول «المأمول من قبلنا طبعاً» الذي نريدها أن تلعبه.

وقال الرئيس الأسد: لا أريد أن أُحمّل الإخوة في مصر المسؤولية.. قد تكون الظروف ضاغطة جداً.. ما نريده نحن في المرحلة الأولى ألا تكون مصر منصة انطلاق ضد سورية أو ضد غيرها من الدول العربية لكن في المرحلة الثانية نريد من مصر أن تلعب دور الدولة المهمة، لا أقول الدولة الكبيرة، «فالكبر ليس مقياساً للفاعلية»، ولكن الدولة المهمة الفاعلة الشقيقة التي تساعد بقية الدول العربية انطلاقاً من تاريخها العريق وليس انطلاقاً من قليل من البترودولار وحضارة عمرها.. لا أريد أن أقول حضارة.. تاريخ عمره بضع سنوات.

وأضاف الرئيس الأسد: ما أريد أن أقوله لأي مسؤول مصري بكل المستويات ولأي مواطن مصري: أولاً، إن العلاقات بين سورية ومصر هي التي تحقق توازناً على الساحة العربية.. هذا موضوع معروف عبر العصر الحديث ولكن كان معروفاً أيضاً بالنسبة للفراعنة الذين كانوا يعتقدون أن أمنهم القومي في ذلك الوقت موجود في سورية، وكانت أول معاهدة نتيجة الصراع بين الفراعنة والحثيين في عام 1200 قبل الميلاد. لا يمكن أن يكون الفراعنة واعين لهذا البعد القومي أو عمق الأمن القومي المصري ولا يكون اليوم المسؤول المصري واعياً له، أعتقد أن هذا الوعي نما اليوم، وسورية تعتقد أنها في الخندق نفسه مع الجيش المصري ومع الشعب المصري في مواجهة الإرهابيين الذين يبدلون مسمّياتهم كما تبدل مسمّيات أي منتج فاسد مرة يأخذ اسم «الإخوان» ومرة يأخذ اسم «داعش» وربما نسمع بتسميات جديدة مستقبلاً.

وبالنسبة لمساعي تخفيف بعض الأزمات المعيشية للمواطن السوري قال الرئيس الأسد: نحن الآن بدأنا بمشاريع لإعادة الإعمار وهي من أهم المشاريع على الإطلاق بالنسبة لأي دولة دمرتها الحرب أو دمرت بنيتها التحتية أو أجزاء منها، فهذا المشروع يسير بخطا واثقة إلى الأمام وطبعاً هناك مشاريع إنتاجية أو لأقل قطاعات إنتاجية تضررت بالحرب ولكنها عادت وأقلعت أولاً بإرادة القيّمين عليها من المستثمرين السوريين الذين ما زالوا يعيشون في سورية بالإضافة إلى بعض الإجراءات والتسهيلات التي قدمتها الدولة، فنحن على الرغم من كل الظروف ما زالت لدينا القدرة على أن نقلع اقتصادياً ولو مجرد إقلاع لنقل إن له سقفاً قد لا يكون بالضرورة الآن عالياً، وقد لا يكون سريعاً ولكن لدينا القدرة، أعتقد أن أهم شيء يمكن أن نقوم به بالإضافة إلى الإجراءات التي تقوم بها عادة أي دولة، تسهيلات مالية وضرائبية وغيرها، ونحن نقوم بها بشكل مستمر، هو الاستفادة من هذه الظروف للقيام بإجراءات جذرية إصلاحية على مستوى الإدارة في الدولة ولذلك الدولة قامت بتأسيس أو بإضافة وزارة للإصلاح الإداري لأن مشكلتنا بالنسبة للفساد وهدر الأموال وعدم وجود تكافؤ فرص، هي الفساد الإداري الموجود في الدولة، إذا تمكنَّا من إضافة هذه الخطوة إلى التسهيلات الأخرى أعتقد أننا نستطيع أن نقلع بشكل مقبول في هذه الظروف.

وختم الرئيس الأسد بتوجيه التحية لكل مقاوم في لبنان، للبيئة المقاومة الموجودة على الساحة اللبنانية، لكل عائلة، لكل أبوين، لكل زوجة لكل أبناء كانوا هم الحاضنة والأساس لإنتاج ولإنشاء أولئك المقاومين الأبطال، مردفاً: أوجّه التحية لكل مقاوم في لبنان ولكل مقاوم في سورية، لكل عائلة شهيد من شهداء لبنان الذين استشهدوا في سورية، وعبّروا بشكل صاف وحقيقي عما تعني كلمة وحدة الدم بين أشقاء في شعبين يعيشون في بلدين متجاورين.. وطبعاً أختم التحية بتحية السيد حسن نصرالله الذي كان الابن النجيب لهذه البيئة المقاومة وكان بالوقت نفسه القائد الصلب والحقيقي لها.

 

وكالات

2015-08-27