مجتمعُ الفرجةِ ومجتمعُ الاستعراضِ

 

بقلم: محمد البيرق

من المنتجات الفكرية للكاتب والمخرج والفيلسوف الوجودي «جي ديبور» أشهر كتّاب فرنسا الماركسيين، والذي انتصر للحقّ, ووقف في وجه بلاده في حربها الجائرة على الجزائر، كتابان هما «مجتمع الفرجة» و«مجتمع الاستعراض»، جوهر هذين الكتابين يتلخص في أن العالم المحسوس تحوّل إلى مجتمع صورة يجري فيه تسليع كل شيء، وكلّ نشاطٍ وكلّ فكر، وأنّ التحوّلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية أنتجت عالماً مقلوباً واقعياً رأساً على عقب، إذ أصبح ما هو حقيقي وواقعي فيه وهمياً وزائفاً.

إنّ التسليع الذي يتحدّث عنه المفكّر «ديبور» في كتابيه يمكن إسقاطه على بنية النظام العالمي اليوم، إذ باتت الدول الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تعتمد الاستعراض حركةً جوهريةً، وأداةً مهمةً من أدوات سياستها، فتحوّل العالم أجمع إلى مجرّد مجتمع «فرجة»، واستطاعت واشنطن عبر هذه المشهدية الليبرالية لمّ ما أمكنها من دول؛ سِمتها الرئيسة التبعية لها والخضوع لإرادتها واستبدادها، وتحت عناوين مثل عدم الاعتراف والإقصاء والتنازع كان لابدّ من أن تكون الحرب أحد مفرزات هذه السياسة الاستغلالية، وتالياً انقسام العالم بين معسكرين الـ«نحن» والـ«هم».

لقد استطاعت سورية في خضمّ الأحداث السياسية الناتجة عن الحرب الإرهابية المفروضة عليها أن تكون الرقم الصعب واللاعب المؤثّر والفاعل، إقليمياً ودولياً، وما بين الـ«نحن» والدول الرافضة لهيمنة الـ«هم» كان المشهد المفصلي الذي أبطاله أصحاب الحقّ والأرض ومناصرو قوننة العالم واحترام سيادة الدول وسيادة القانون الدولي وأحكامه ضد هيمنة الصورة وهندسة الجغرافيا والمصائر في ظلّ التحوّلات الكبرى التي جعلت هذا العالم عالماً متغيّراً في زمن ما بعد الحقيقة الذي تجتهد فيه الولايات المتحدة الأمريكية لفرض سياسة الأمر الواقع حسب منظورها، بينما المشهد الميداني، واتّساع رقعة الصراع، وتعدّد المشاركين فيه، أمر يرجح سياسة «حافة الخطر».

إنّ تركيا العثمانية الأردوغانية أصبحت أوراقها مكشوفة، وصورتها الحقيقية باتت حاضرةً في كلِّ مناورة سياسية لها، وسياسة النَفَس الطويل والمماطلة الدبلوماسية التي يتّبعها الثعلب المراوغ أردوغان ليست إلا حركةً آنيةً يريد بها كسب الوقت ودعم إرهابييه حتى تحين اللحظة المناسبة للانقضاض والطعن والغدر والتكشير عن الأنياب لتحقيق مشروعه العدواني وأهدافه الخبيثة، وكذلك وهو الأهمّ المشاركة في رسم خريطة النفوذ حسب المشيئة والتوقيت الأمريكيين.

سورية، بانتصارات جيشها الذي لا يصدّ الإرهاب عنها فحسب، بل عن العالم أجمع، وبصمود شعبها سطّرت ملاحم بطولية قلّ نظيرها في التاريخ، وها هي أخبار انتصار حلب وفتح الطريق الدولي حلب- دمشق وإعادة فتح مطار حلب الدولي تتوالى، وأخيراً ولن تكون آخراً استعادة سورية ما يزيد على مئة وثلاثين قريةً في أرياف إدلب وحلب وحماة؛ ما أصاب النظام التركي والدول المعتدية الأخرى بهستيريا الفشل والإفلاس التي تثبت، عملياً، أن دعم الإرهاب هو استراتيجية ثابتة في سياسة هذه الدول لتحقيق أهدافها التخريبية، لكن سورية استطاعت باقتدار قلب الطاولة السياسية على نحوٍ باتت معه الدول الإمبريالية المتعجرفة مجتمعاً متفرجاً ينظر بحرقةٍ وغصّة إلى الميدان السوري، مجتمعاً غُلب بقدرة شعبٍ يأبى التبعية والهزيمة، وبصلابة وقوّة جيش باسل مازال يواصل معاركه البطولية نهجاً بنيوياً مستمراً ، وتنفيذ مهامه العسكرية حتى تحقيق النصر المؤزر ودحر الوجود الإرهابي من على كامل الجغرافيا السورية.

 

 

2020-03-01