الإرهاب الأردوغاني يتمدد

بقلم: أحمد حسن

 

ربما كان شهداء مجزرة “مصياف” هم الشهود الأكثر مصداقية على أن “اتفاقية سوتشي”، التي كتبت في السابع عشر من أيلول العام الماضي، لم تكن سوى “وثيقة شقية” استخدمها أردوغان كمهلة زمنية ذهبية لإقامة “إمارة” كاملة متكاملة في إدلب، وتحصينها عسكرياً وسياسياً على أمل ترسيخها كأمر واقع، سواء كقطعة مستقلة في الجغرافيا السورية، في حال قامت لاحقاً إدارات ذاتية، كما يتوهم البعض، أو كاقتطاع نهائي منها، على مثال “اسكندرون” بحسب “ما يستجد من أمور”، وآخر “ما استجد” كان إعلان “جبهة النصرة” الإرهابية – باعتراف العالم ومجلس أمنه الدولي – التي تسيطر على الأرض هناك، وتعمل كوكيل حصري لأردوغان، عن “مجلس شورى” للإشراف على “الحكومة” وإدارة أحوال “رعايا” الإمارة التي تحظى أيضاً بحماية الديمقراطيات الغربية الكبرى بكل الوسائل الممكنة حتى إنهم يجهّزون، لضرورات هذه الحماية، فصلاً جديداً من مسرحية “الكيماوي” الطويلة في تزاوج فاضح، وفاجر، بين الإرهاب العالمي وبين “المجتمع الدولي” المؤتمن نظرياً على مكافحته!.

والحال فإن “الوثائق الشقية” كثيرة في هذا العالم، وهي تهدف إلى هندسته على نسق مطامع ومطامح معينة، كان أبرزها فيما يعنينا في المنطقة وثيقة “سايكس بيكو”، التي قسّمت بين أطرافها تركة الرجل العثماني “المريض”، وهي التركة ذاتها التي ورثتها واشنطن من بين ما ورثت من أملاك “الامبراطورية”، التي غابت عنها الشمس، و”بلاد الأنوار”، التي لم تشعّ على المستعمرات في آسيا وأفريقيا إلا ظلماً وتقسيماً وتخلفاً ونهباً للثروات والموارد البشرية والطبيعية.

وإذا كان الهدف الروسي من “وثيقة سوتشي” إيجاد حل مناسب يسمح به الوضع السياسي الدولي المعقّد، وبأقل الأضرار الممكنة لمشكلة إرهابيي “إدلب”، لاعتبارات منع حدوث تصادم إقليمي واسع وخطير، ومراعاة لمحاذير دولية عديدة تتعلّق بروسيا ومصالحها ووضعها الدولي، فإن مطمع أردوغان من الوثيقة ذاتها لم يتجاوز بند المهلة الزمنية التي طلبها، وأعطيت له، وتجاوزها لاحقاً بأشواط ومراحل واسعة دون أن ينفّذ من بنود الاتفاقية شيئاً، لأنه كان يخطط لاستثمارها في أشياء أخرى – بينها تمرير المهلة دون خسائر بشرية أو موجة جديدة من المهجّرين لضمان الفوز في الانتخابات المحلية – ولكن أهمها وأخطرها، كما أسلفنا ونعيد التأكيد عليه لخطورته الشديدة، ترسيخ احتلاله لمناطق في جغرافيا سورية، للسيطرة سياسياً، كأضعف الإيمان، على قرار، أو بعض قرار، دمشق، بحسب اتجاهات رياح التسوية السياسية النهائية.

واليوم، وبعد انتهاء حجة الانتخابات المحلية بخسارة اعتبارية مدوّية لأردوغان، وتلك وإن كانت قصة أخرى، إلّا أنها تعبّر عن سوء وحراجة الموقف الداخلي للسلطان، ولم يبق لديه – بل أصبح من الوجودي بالنسبة له – سوى إلهاء الأتراك بقضايا خارجية لصرف النظر عن دكتاتوريته السافرة، التي ترفض حتى كلام صناديق الاقتراع الواضح والمعلن، لذلك بحث بالأمس عن مماطلة أخرى عبر أخذ الموافقة على إشعال معركة جديدة يشغل بها المنطقة والعالم، وتركيا ذاتها أيضاً، عن مأزقه الاقتصادي، لكنه في الحقيقة يرسّخ بها مواقعه، وربما يضيف أخرى جديدة إليها ليوسّع من دائرة سيطرته الجغرافية والسياسية.

لذلك، ولأن “للصبر حدود”، كما قال الوزير المعلم، يجب على “المعنيين بالأمر” عدم منح أردوغان مهلة أخرى، تحت أي عنوان جديد، والمسارعة إلى إنهاء مماطلته في تنفيذ “اتفاق سوتشي” فوراً لأنه تحوّل، بفضل مطامع السلطان، إلى “اتفاقية شقية” ستكون كلفة تداعيات الصبر عليها، وعليه، وخيمة للغاية في المستقبل المنظور، وأكثر ضرراً بما لا يقاس من الفوائد التي يتوقّعها البعض من مجاراته، ومن يجرّب المجرّب…

 

 

2019-04-09