جاهلية العرب.. باقية وتتجدّد

 

ربما كان أبرز مؤشر على “أهمية” مجريات، ومخرجات، ما سمي قمة  عربية – ومعها حال العرب هذه الأيام – أن أحداً من العرب لم يتقدّم، حتى الآن، لاستضافة القمة القادمة، وأن أحداً من أعدائهم، أو خصومهم على الأقل، لم يبت ليلته ساهراً منتظراً بقلق البيان الختامي، الذي لم يكن، في حقيقته، سوى توليفة لغوية بائسة، خالية حتى من التهديد الكلامي، تهدف بصورة ممنهجة إلى عدم قول أيّ شيء ملزم لأيّ من الموقّعين عليها، فيما تدعو، في الآن ذاته، “المجتمع الدولي ومجلس الأمن لتحمّل مسؤولياته” في شأن قضاياهم الخاصة..!!، وتلك مفارقة ليس لها إلا أن تثبت صحة وجهة نظر من يرى أن العرب، وبعد فاصل فترة الإسلام الأولى، يستأنفون جاهليتهم القديمة، وإن كانوا قد “تعصرنوا” أكثر، فانتقلوا من خطيئة “وأد” بناتهم في الجاهلية الأولى إلى جريمة “وأد” مستقبلهم بأكمله هذه الأيام، منسحبين جماعات وفرادى من “حلف الفضول” الذي عقدوه حينها لنصرة المظلوم من الظالم، إلى كنف حلف علني دائم، منذ لقاء “المدمّرة كوينسي”، مع الأمريكي ظالماً كان أو ظالماً سيكون..!!، وحلف وجودي مع “الإسرائيلي” منذ النكبة، وبعضهم قبلها، يريدون اليوم نقله من السر إلى العلن، فيما تحالفاتهم البينية النادرة لم ولن يكون لها من هدف سوى التآمر على بعضهم البعض، كما يشي تاريخهم القريب والبعيد.

لذلك لم يكن غريباً، أو جديداً، أن يغمدوا، في تونس، أسلحتهم المجرمة التي استخدموها ضد الشقيق في سورية وليبيا واليمن، ويشهروا بدلاً منها سيف اللغة الوادع فقط أمام جريمة “ترامب”، في الجولان، فاستنكروها “بأشد العبارات”، دون أن يستنكروا، ولو باللغة أيضاً، تغييبهم صاحبة العلاقة، سورية، عن قمتهم – بعضهم حنى رأسه خجلاً حين مرّت عبارة الاستنكار ولسان حاله يقول والله لم أكن راضياً عنها فما بيننا وبينك أيها الصديق “ترامب” أكبر من الجولان والقدس وفلسطين كلها -، وأمام التجاهل “الإسرائيلي” التام لمبادرتهم الاستسلامية الشهيرة، التي دخلت موسوعة “غينس” للمدّد المفتوحة، لم يكن في أيديهم سوى سلاح التشبّث بها لمدة مفتوحة أخرى متناسين أن “إسرائيل” تجاهلتها بالكامل منذ اللحظة الأولى، وأن “ترامب” جعلها بقراريه، حول الجولان والقدس، هباءً منثوراً.

بهذا المعنى لم يكن اجتماع القمة – بالنسبة لمراقب موضوعي – سوى اجتماع لقبائل من زمن مضى، ولكن بربطات عنق حديثة وملوّنة، لذلك كان من الطبيعي، أن يغيب بعضهم لعدم الجدوى، كما قال، أو ينسحب آخر حرداً أو احتجاجاً على حضور البعض الآخر أو تقدّمه عليه في إلقاء “الكلمة التاريخية” مثلاً، وكان من الطبيعي أيضاً، في هكذا حال، أن يبدو بعضهم ضائعاً لا يعرف أين هو أو لماذا، وأن يغتنم آخر فرصة حضوره للتمسّح بأصحاب المال متملقاً مالهم لا فكرهم النيّر، وأن يستنفر ثالث متلفّتاً باحثاً عن ضحية جديدة يشير إليها السيد الأمريكي، وأن ينام رابع، بالمعنى الحرفي للكلمة، مطمئناً أن لا شيء سيفوته لو بقي مستيقظاً، فالقضايا الجدية ليست من شأنه، والقرارات، كلها، لا تنتظر سوى الترجمة من الانكليزية إلى العربية، وغداً يوم جديد.

لكن، والحق يقال، هناك أمران اثنان حظيا باهتمام “شيوخ” القبائل كلهم دفعة واحدة: الأول “غرفة الكونترول” منتظرين بلهفة موافقة السيد الأمريكي على الترجمة النهائية للبيان الختامي، والثاني “مقعد” سورية الفارغ، فلمرة جديدة لا أحد يعكّر عليهم “صفو” جاهليتهم المستدامة، ومع ذلك، مازال بعضهم منزعجاً حتى من وجود الكرسي الفارغ ذاته، ولكن ما باليد حيلة، فكل ما يمكن فعله فعلوه خلال السنوات الماضية دون نتيجة، وسورية الخارجة من محنتها عائدة يوماً ما إلى مقعدها، وحينها.. وربما لذلك لم يتقدّم أحد لاستضافة القمة المقبلة، فإذا لم تُعقد يكون العرب قد فعلوا خيراً لمرة وحيدة على الأقل، على مبدأ “إذا ابتليتم.. بالهوان.. فاستتروا”، وذلك أضعف الإيمان كما يقول موروثنا الشريف.

أحمد حسن

2019-04-02