كل قمة تنضح بما فيها..!!

بقلم : علي قاسم


 أفنى العرب ساعاتٍ وأياماً وسنين طويلة، يجادلون في فنائهم السياسي المعتمد أصولاً في قراءة الآخرين، في وقت لم يقدموا فيه ما يشفع لهم البقاء على خريطة التشكيل السياسي للقوى، وعجزوا عن تحقيق المعادلة الأزلية التي تضمن الحدّ الأدنى من الوجود.
القمة العربية التي تحتضنها تونس اليوم، تكاد تنسى العرب وقضاياهم ولبَّ وجودهم، والتحديات التي أنشدوا في سبيلها ومعها ومن أجلها آلاف المعلقات، ودبّجوا في مديحها مئات المعلقات الصامتة اليوم حتى عن التعبير، ويكاد يتساوى حضورهم مع غيابهم، كما تساوى في السابق وجودهم مع عدمه، ودورهم المنسي في ردهات وأروقة القاعات المشهرة على الغياب.
لسنا بوارد تعداد الهموم العربية التي نسيت قمتهم ذاتها بنودها ومسمياتها، وتحولت إلى لغة تناكف في العدم، وتنثر العبث السياسي على قارعة الطريق، في مشهد يتكرر مع القمة ومن دونها، حيث الفارق بين ما قبل القرارات، يتطابق مع ما بعدها، ووحده عداد القمم يضيف رقماً جديداً إلى عجزهم.
القدس باتت في عرف ترامب عاصمة الكيان الصهيوني، والأراضي الفلسطينية المحتلة في عرف خارجيته باتت الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، وغابت صفة الاحتلال، وبقيت الأوراق العربية مذيلة بتواقيعهم وممهورة في آخر سطورها ببصماتهم التي توثق للاحتلال، وتضيف للأميركي ما عجز عنه.
الجولان لا ينتظر نصرة العرب، ولا بياناً يستنكر فعلة ترامب، ولا مشهدَ اجترار ما تبقى من كلمات لا تسمن ولا تغني، ولا يحتاج أصلاً إلى أوراق شكلت وتشكل على الدوام نقاط ضعف نفذ منها الإسرائيلي، ووثّقها الأميركي، كما وثّق أنفاس الأعراب في تونس، لتكون على مقاس ما يحتاجه، ووفق متطلباته.
كنا نأمل من تونس وأصواتها العروبية أن تكون الفرق الحقيقي بين العرب وقممهم، وأن تكون الحاضر غير المنسي في ساحة تكاد تخلو أو هي كذلك منذ اللحظة التي غادرت أصوات العروبة منابرها.
بين الأمل والتعويل تمرُّ الحقائق المريرة أمام أنظار العرب، وجلّ ما هو متاح إعادة النظر بلغة الاستنكار والتنديد، لتتوافق مع مسامع ترامب، ولتكون أقل إزعاجاً لمسامع نتنياهو الذي سيطربه ما تخرج به القمة، باعتبارها تحاكي ما يتطلع إليه، حيث لا كلمة في سطر، ولا عبارة في بيان، غير تلك التي أرادها أن تكون.
المعضلة أنَّ العرب نسوا أنفسهم، فكانت القمة تشبههم، وكانت مقرراتها نسخة من اجترارهم، فباتت من دون طعم ولا لون، تضاف إلى الصفحات المنسية، لتكون كما هم، حين نسوا أنفسهم وتاريخهم، وباتوا حالة عدمية.
والكارثة أنَّ الجامعة التي تنطق باسمهم تشترط على العرب، وتتحرج من النطق أمام المعتدين والمحتلين، بينما العرب في قمتهم المنسية، ينسون لسانهم، أو يكادون، وبات لا ينطق إلا بما يقوله الآخرون، وكما اشترط الأميركي والإسرائيلي، يشترطون، وكما تذرّع يتذرّعون، وكما يتوهم يتوهمون، بل يشترون ويراكمون، لتكون قمتهم نسخة عنهم، وتطابق تفاصيلهم، فكل قمة تنضح بما فيها.

 

2019-04-01