هل ينهي “سوتشي” العبث الأردوغاني؟!

 

بقلم :أحمد حسن

مرة جديدة لا يكون أمام تركيا في اجتماع “سوتشي” مع شركاء “أستانا” سوى الإجابة عن سؤال جوهري واحد يتعلّق بـ”إدلب” ومسارها ومصيرها، ليس باعتبارها أحد ضامني “أستانا” فقط، بل باعتبارها، أولاً وقبل أي شيء آخر، الضامن الإقليمي الأبرز للمجموعات الإرهابية المسلّحة – وعلى رأسها جبهة “النصرة” الإرهابية – التي تحتّل المحافظة، وتشكل رأس جسر المشاريع الخارجية في المنطقة، واستناداً، ثانياً، إلى التزامها المسجّل في قمة “سوتشي”، المنعقدة في تشرين الأول الماضي، بحل هذه المشكلة في توقيت محدّد، لكن أنقرة، ومرّة جديدة أيضاً، لا يبدو أنها تفعل شيئاً سوى الإنكار والتسويف. إنكار الحالة الإرهابية في المحافظة، ووضعها غير الطبيعي، والتسويف في حلها، لأن “الاستفزازات التي تجري في إدلب لا يمكن اعتبارها ذريعة لشن عملية عسكرية”، كما قالت خارجيتها، وتلك مقولة تفضح خطة فجّة للاستفادة من هذه الحمولة الإرهابية في محاولتها المستمرة لاقتطاع “اسكندرون” جديد، سواء كان جغرافياً كسابقه، أو سياسياً كحصة وازنة من “كعكعة” الحل السياسي المقبل.

بيد أن “الاجتماع”، بطبيعته، و”مصادفة” تزامنه مع اجتماع “وارسو”، لا يقتصر على “إدلب” وقضيتها رغم مفصلية هذه الأخيرة، فأمامه استحقاقان آخران لا يقلّان أهمية عنها، أولهما، “اللجنة الدستورية” العتيدة، وثانيهما، مصير شرق الفرات بعد الانسحاب الأمريكي المزمع منه، وإذا كان التوافق على أسماء الأولى يبدو متحقّقاً بين أطراف الاجتماع الثلاثة – رغم الخلاف على نوع وطبيعة الإنتاج المنتظر من اللجنة – إلا أن الطمع “الأردوغاني” المعلن في احتلال الثانية – أي شرق الفرات – تحت تسمية “المنطقة الآمنة”، هو ما يعرقل نجاح هذا الاجتماع، كما عرقل سواه، وبالتالي فإن هذا الطمع هو ما يجعل من تركيا، الدولة الضامنة للحل، كما يُفترض منها، وكما تُقدّم ذاتها للآخرين، فاعلاً رئيساً في تعقيده نتيجة حسابات توسعية امبراطورية لم تعد خافية على أحد. حسابات تحاول أنقرة استغلال حالة “السيولة” السياسية الدولية الحالية لتحقيقها عبر اللعب على حبال الأطراف كافة، ففيما تستخدم موقعها ودورها مع دول “أستانا” لتبتز واشنطن و”حلفها” في مخططها لـ”شرق الفرات”، تتسلّح، وإن ضمناً، بـ”مصادفة” تزامن “سوتشي” و”وارسو” – رغم عدم دعوتها للمشاركة في هذا الأخير – الموجّه ضد شريكيها الآخرين في “سوتشي”، إيران علناً وروسيا ضمناً، لابتزازهما معاً، في تطبيق ذرائعي فاضح للمبدأ الرابع من مبادئ “داوود أوغلو” القائل “بالسياسة الخارجية المتعدّدة البعد”، ما يثبت أن هذا المبدأ لم يكن، وبقية المبادئ الستة الشهيرة، سوى “عمامة” رأس “فلسفية” لسياسات “خلافة” عثمانية حديثة، ليس لها بحكم الواقع والتاريخ سوى أن تكون في خدمة مشاريع خارجية لا تريد للمنطقة أن تخرج من قرونها الوسطى إلا إلى قرون أبعد غوراً وأكثر ظلاماً منها.

إذاً هي أسئلة ثلاثة مطروحة في “سوتشي” وأجوبة ثلثيها تعتمد على الموقف التركي، ما يجعل من “أنقرة” بحكم التجارب السابقة غير المشجّعة أبرز تحدّ أمام نجاح هذا الاجتماع، فهل يخرج الجواب الحاسم من الطرفين الآخرين؟! وهل يكون “سوتشي” أول خطوة في مواجهة العرقلة التركية، ليس لمصلحة الحل في سورية فقط، بل لمواجهة “حلف وارسو الجديد” بإغلاق ثغرة “أستانا” المفتوحة في خاصرة إيران وروسيا وسورية، عبر إنهاء المهلة الممنوحة لتركيا في إدلب وغيرها، سياسياً أو عسكرياً، وفرملة استراتيجية كسب الوقت التي حاولت خلالها كسب كل شيء آخر، لمصلحة مشروعها الخاص الخادم بالضرورة لمشروع “وارسو”، وتوجيهها إلى الانخراط في استراتيجية كسب موقع فاعل في مشروع طبيعي للمنطقة؟! ليس فيه مناطق آمنة، بل سياسات آمنة يكسب منها الجميع.

 

2019-02-12