مشروع النهضة الموسيقية المؤجل

 


هو مشروع ثقافي كبير، طال انتظاره، بالرغم من كل التوصيات والمقررات الهامة التي تمخضت عن مؤتمرات الموسيقى العربية، التي أوصت بالشروع في عملية تجديد وتطوير بنية هذا الفن، والأخذ بأسباب الحداثة، عبر الاستفادة المثلى من العلوم والتقنيات الغربية المتقدمة، في سبيل تخصيب مفردات الهوية الموسيقية العربية وبالتالي تحقيق هذه النهضة الموسيقية الموعودة، التي مع الأسف لم تكتمل، بسبب التحولات والمتغيرات التي طرأت على طرق الكتابة و التأليف والممارسة.

_نعم احدثت هذه المتغيرات شرخا عميقا في تخلي الموسيقي العربي عن رسالته الثقافية والسير من غير هدى على طريق العولمة حيث المجال متاح للاندماج في منتوجها العابر انتاجا ونشرا واعلاما، لكن على حساب هذا الدور والرسالة الثقافية الانسانية، ودائما ما كانت هذه المنظومة وغيرها في صراع دائم ومستمر مع اللغة الموسيقية الكلاسيكية. إنه الصراع الأبدي المستمر. مابين القيمة والرواج، مابين القيم الجمالية الراسخة ومابين المادي الرخيص، وهذا يعني بشكل او بآخر تخلي الموسيقي العربي عن مسؤلياته باتجاه تجديد وتحديث موسيقاه التي من المفروض أنه ينتمي اليها على الأقل معرفيا او ثقافيا. ولهذا النكوص والعقوق الاخلاقي نحو الهوية والميراث الروحي، أسباب عديدة تتعلق بعملية المثاقفة والحوار الحضاري الانساني المشترك. وفي كيفية الاستفادة من منجز الآخر علميا، وانعكاس ذلك على، البدء بتحقيق هذا المسار النهضوي، كعملية متكاملة تبدأ من الماضي لتصل الى الحاضر الذي بدوره يؤسس لمستقبل هذا الفن، خاصة في ألفيته الثالثة، وعصر الهويات العابرة، وسبب فشل هذا المشروع يكمن كما نبه اليه العديد من الباحثين في البلاد العربية، هو تلك الحلول التوفيقية. التي لم تستطع إلا بحدود ضيقة من رفد هذا المسار الابداعي بخطوات مهمة، وقفت في طريقها لاحقا، عدة عقبات وموانع ، هذه الحلول التجزيئية، هي حلول مؤقتة، لاتقدم ولاتؤخر. في تحقيق هذا البناء الثقافي الموعود، الذي يتطلب من دون ادنى شك، جهود جبارة وامكانات كبيرة على المستويين المادي والمعنوي، وهذا ليس كلام في الهواء. فعندما تغيب الخطط المستقبلية عن المعنيين، في وزارات الثقافة والاعلام العربية. وجعل توصيات هذه المؤتمرات العتيدة قابلة للتحقق وتثميرها في هذا المشروع الثقافي الكبير المستمر، فإن البدائل متاحة على أكثر من صعيد. إنها مسارات اللغة التجارية الهابطة التي تغزو العالم، وبالأخص الموسيقات التي لم تتحصن جيدا من شرورها وتجلياتها السلبية على مستويات الذائقة والتلقي الجمالي، ولاعجب إذن، ان نطالب هذا الموسيقي أو ذاك، بتحقيق المعجزات، وهو محاصر بهذه اللغة الاستهلاكية المريضة الى حد الموات والخواء الابداعي المديد، خاصة في عصر تخلى عن قيم هذا الفن تربويا وأخلاقيا، وسار في طريق مغاير، يتبنى مقولة الفن للفن. ونشر متاحف القبح الفنية العابرة للعقول والذوق الفني السليم ، ليصبح هذا الفن الانساني النبيل، بمثابة سلعة جذابة، مغلفة بأحدث الأكسسوارات التكنولوجية، لكنها تخلو من النبض والحياة والعطاء الانساني الجميل، الذي وسم كل النتاجات الكبيرة على مدار الأزمنة والعصور. ولهذا لابد من القول هنا. ان مشروع النهضة الموسيقية العربية مؤجل، حتى تكون هناك حياة موسيقية حقيقية وبديلة لماهو مطروح وسائد في المشهد المعاصر، وهذا رهن كما اسلفنا بتحقيق هذه التوصيات عبر المشاريع الثقافية التنويرية، التي من غيرها، ستبقى موسيقانا تجتر لغة وتقاليد الآخر، وتبدد رصيدها وخزينها الابداعي، في سبيل حداثة ونهضة لن تتحقق لطالما لم تبدأ من الداخل، مماهو منجز وراسخ، وليس فرضا من الخارج، بشكل فيه إنكار للذات والهوية الوطنية.

2019-01-29