الأغنية العربية في مهب الاستهلاك


انه موسم الهجرة الى العابر الزائل. وهو موسم دائم للأغنية العربية التي بدأت في إلفيتها الثالثة، تفقد أهم سماتها الابداعية، في التعبير عن قضايا الوطن والانسان، ولهذا التحول والمسار التجاري أسباب من الصعوبة بمكان حصرها، لكن التعميم هنا، لايلغي الاستثناء، وهو على ندرته، يبقى ملاذنا الآمن من وحشة وتغّول المقولات التجارية التي تعصف بالفنون كافة، وليست موسيقانا هنا بمعزل عنها.
-لكن يبقى السؤال الهم، حاضرا بقوة على الدوام، وهو ما الفائدة المرجوة من تبذير الملايين، في سبيل فن هابط ورديء، يموت لحظة ولادته، فن يعُلي الغرائز المنحطة، ويشيؤ الانسان، حين يجعله عبدا ذليلا للمادة وكل ماهو مادي رخيص، في حين بتم تهميش وتغييب النتاجات الراقية التي تؤنسن هذا الفن وتجعله قادرا على النهوض والارتقاء بالحياة البشرية، في مواجهة ثقافات القتل والتدمير والانحلال الاخلاقي والتربوي، التي تسود العصر، خاصة في انعدام البدائل، وغياب المشاريع الثقافية التنويرية، لأسباب غير مقنعة ابدا، في حين تصرف وتبذر الأموال الضخمة، في مهرجانات وكرنفالات سياحية عابرة، لاتسمن ولاتغني، كما أن تقليد الآخر المستفحلة في المشهد الموسيقي العربي المعاصر، تقول كلمتها المطرزة بأحرف من ذهب، بأن من يدفع للزمار يفرض اللحن الذي يريد، انه عصر المال الفاسد المفسد الذي يريد إفساد من لم يفُسد بعد، عبر لعبة العولمة المفضلة. سليلة حركات " الدادا" التي قامت في الغرب وكان الهدف منها تدمير الفنون والقواعد والأصول الراسخة وهدم البنيان الجمالي العظيم، وانتشرت توابعها في اغلب فنون العالم، لينهار البناء السامق لموسيقانا العربية بعد أن دخلت التقانات الغربية قلب المشهد. من دون وعي معرفي أو تهيئة الظروف لاستقبال المد العالي من العلوم والتقنيات والأدوات وغيرها، مما أفسح المجال لدخول تيارات تغريبية هجينة ، تفاصيل الكتابة والتأليف والممارسة، لترتحل موسيقانا وأغنيتنا العربية نحو الاستسهال وتقليد الآخر بشكل " قردي" مريض على رأي الباحث الدكتور " محمود قطاط" وهذا ما جعل هذا الفن عاجز عن التعبير بعمق وصدق عن قضايا المتلقي العربي الجوهرية، في تحولات جوهرية نحو اللهو والتسلية العابرة ومزجاة الوقت التي تنتشر اليوم في أغلب تفاصيل المشهد العولمي السائد، يكفي المرء ان يتفرج ولو من باب تعذيب النفس. على فتوحات الكليب العروبي العتيد، وينعم بالأصوات المسلكنة ومنتوج الغناء الحسي المشبع بالغرائز والاباحية المنحطة، عبر مغنيات ومغنين صعدوا بقوة هذا المال الفاسد، وأصبحوا عبر الاعلام الأصفر نجوما، لايشق لهم غبار. يمتلكون كل شيء، إلا الموهبة والحضور والثقافة والمعرفة، وهذا يفسر الى حد كبير العدد الضخم منهم، الذي إن دل فإنه يدل على خضوع هذا الفن لمنطق السوق التجاري، وجعل هذا الفن كأي سلعة مغلفة بإكسسوارات وألوان متنافرة، أما عن القيمة الفنية أو الابداعية، فحدث ولاحرج.

2019-02-17