حكومة ماكرون ترضخ لـ "السترات الصفراء" وتعلّق زيادة الضرائب

دفعت الأحداث التي شهدتها باريس والمدن الفرنسية والأوروبية الأخرى بالوضع في القارة العجوز إلى حافة الخطر وبدأ مصطلح السترات الصفراء يثير هلع الساسة وأرباب الاقتصاد.

أحداث باريس الدامية جعلت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يطلب من مواطنيه السماع لما يقوله بعدما طالب الكثيرون من منظمي احتجاجات باريس بأن يسمع لهم أو يحاورهم ولكن دون جدوى إلا أن حرائق الحراك وتوسع حركة الاحتجاج وتجاوزها باريس إلى المدن الأخرى كانت انذارا بالخطر دفعه إلى الوقوف ملياً أمام المطالب والإعلان عن جملة من التعهدات للفرنسيين كان أهمها التعجيل بخفض الضرائب ورفع الأجور عله يستدرك توسع حالة الاحتجاجات وتمددها.

وتعهّد ماكرون في أول خطاب له بعد الأحداث التي شهدتها باريس وفق ما ذكرت رويترز بخفض الضرائب على أرباب المعاشات وزيادة الحد الأدنى للأجور بأكثر من مئة يورو كحد أدنى في كانون الثاني القادم وقال للفرنسيين في كلمة عبر التلفزيون: ”سنرد على الوضع الاقتصادي والاجتماعي الملح بإجراءات قوية من خلال خفض الضرائب بشكل أسرع واستمرار السيطرة على إنفاقنا ولكن دون التراجع عن سياستنا” معلنا حالة الطوارئ الاقتصادية والاجتماعية في فرنسا.

وطلب ماكرون من الحكومة والبرلمان القيام بكل شيء لكي يحظى كل “مواطن فرنسي بعيش كريم” قائلا: ”علينا أن نوسع الحوار ليشمل كل المناحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وقضايا المناخ” وأشار إلى أن الحوار يجب أن يشمل أيضا على نحو عميق قضية الهجرة.

وأضاف ماكرون: ”سأستقبل رؤساء البلديات الفرنسية من أجل وضع أساس وعقد اجتماعي جديد لبلادنا”.

كلام ماكرون رد عليه رئيس حزب فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون بالقول: “هذا الكلام عبثي وما عب~ر عنه ماكرون من نوايا لا ينسجم مع أدائه السياسي” محذراً من أن الفصل الخامس من ثورة المواطنين السبت المقبل سيكون فرصة للتعبئة الكبيرة.

وكانت الاحتجاجات والمظاهرات الواسعة تواصلت السبت الماضي للأسبوع الرابع على التوالي حيث طالب المحتجون بتحسين أوضاعهم المعيشية وخفض الضرائب وإيجاد حل لهبوط القيمة الشرائية كما طالبوا ماكرون الذي يتهمونه بـ “العجرفة والتكبر” بالتنحي.

وزير داخلية إيطاليا ماتيو سالفيني اعتبر أن احتجاجات السترات الصفراء تظهر بأن الفرنسيين أدركوا أن رئيسهم كان صنيعة مختبر للحفاظ على النظام القائم مبيناً أن ماكرون كان قبل بضعة أشهر فقط بطل أوروبا الجديدة بالنسبة إلى اليسار الإيطالي برمته والعبقري والمنقذ الجديد لأوروبا إلا أنهم أخطؤوا مجددا.

وهزّت فرنسا الاحتجاجات التي وقعت نهاية الأسابيع الماضية وتخللها إحراق مئتي سيارة وتخريب قوس النصر وزجت بحكومة ماكرون في أسوأ أزمة تواجهها حتى الآن وأظهر استطلاع جديد للرأي أجراه معهد إيلابي أن 73 بالمئة من الفرنسيين يدعمون الحركة الاحتجاجية ضد ماكرون في حين أن 54 بالمئة من الفرنسيين الذين انتخبوا ماكرون أعربوا عن تعاطفهم مع المحتجين الأمر الذي حدا بالسفارة الأمريكية إلى تحذير مواطنيها في باريس إلى “تفادي الظهور وتجنب التجمعات” بينما حثت الحكومات البلجيكية والبرتغالية والتشيكية مواطنيها الذين ينوون التوجه إلى باريس على تأجيل سفرهم.

حالة الغليان التي شهدتها باريس دفعت السلطات إلى التخبط وكيل الاتهامات والتحذيرات بكل الاتجاهات حيث اتهمت الحكومة الفرنسية المحتجين المطالبين بحقوقهم بالسعي إلى إسقاط السلطة في البلاد مدفوعين بمن وصفتهم بـ “عناصر راديكالية” بعد فشلها في احتواء الغضب الشعبي على سياسات

ماكرون.

حركات الاحتجاج تميّزت بهدوئها وتخطيطها العملي فلم يقتنع أصحاب “السترات الصفراء” بإجراءات الحكومة لجهة احتواء حركتهم فأعلنوا تأهّبهم للمزيد كلما اشتدت المواجهات وتحولها في بعض منها إلى حرب شوارع وكر وفر أوقعت المئات من المصابين ومثلهم من المعتقلين إلا أن كل ذلك جعل سكان العاصمة الفرنسية يتضامنون مع الحركة الاحتجاجية حيث نشروا آلاف “السترات الصفراء” على شرفات منازلهم بينما عبر تجار العاصمة عن خشيتهم من أن تؤدي هذه الاحتجاجات إلى خسائر فادحة في قطاعهم جراء إغلاق محالهم وتعرضها في بعض الأحيان إلى التخريب.

واتّخذ الكثير من أصحاب المحال والمقاهي وسط باريس إجراءات احترازية لحماية محلاتهم وسلعهم وقرر آخرون إغلاقها لحين تبيان الوضع العام في العاصمة حيث وجهت الشرطة أصحاب المتاجر والمطاعم في منطقة الشانزليزيه بتعليق أعمالهم أثناء الاحتجاجات بينما أعربت الحكومة عن خوفها الشديد من اندلاع أعمال عنف كبيرة تعم العاصمة.. هذه الحرب الاقتصادية ساهمت في الحد من الخيارات أمام السلطات الفرنسية التي رضخت مرغمة بكلام ماكرون.

فشلت محاولات الحكومة الفرنسية إقحام أطراف أخرى واتهامها بأنها السبب وراء الاحتجاجات لتحرف المحتجين عن خططهم وأهدافهم وكان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان أعلن في أحد تصريحاته أن الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني الفرنسي بدأت التحقيق في “تورط روسيا” المزعوم في الاحتجاجات رد عليه رئيس لجنة مجلس الدوما الروسي للشؤون الدولية ألكسي تشابا بالقول: ”هذا التحقيق هو استمرار للتوجه الغربي باتهام روسيا بكل المشاكل” واصفا إياه بـ “المثير للسخرية” بينما اعتبر المتحدث باسم الكرملين ديميترى بيسكوف الاحتجاجات في فرنسا “شأنا داخليا”.

وبالمحصّلة استطاعت احتجاجات باريس أن ترسم الخط الفاصل بين مطامح أصحاب الرأسمال الكبير في أوروبا ومطالب الأكثرية الشعبية وأن تجبر السلطات الفرنسية على التخلي عن طموحاتها البعيدة عن واقع الشارع ومطالبه الصغيرة وتمتثل لمطالبه وهو جرس إنذار لأوروبا التي بدت مدنها غير بعيدة عن هذا الحراك.

2018-12-11