فوضى «الكاوبوي» الأميركي


بقلم  : علي قاسم

لم تصل العلاقات الدولية يوماً إلى ما وصلت إليه ولم تشهد ما يحصل في سياق المقاربات التي تبدو متناقضة في جوهرها مع روح العمل الجماعي.. ومتنابذة مع مفهوم التعاون الدولي، خصوصاً في ظل تعاطٍ أميركي يزيد من مساحات الفوضى في هذه العلاقات على خلفية الممارسات غير المسبوقة من قبل الرئيس ترامب شخصياً، وعلى مستوى الأداء الجماعي للإدارة الأميركية الحالية، التي تُراكم من حجم المغالطات التي تتعمد أن تكون استفزازية للحلفاء كما هي للخصوم، ما يجعل من المستحيل التعويل على أي حدث بما فيها القمة الكورية الأميركية القابلة للانقلاب في أي لحظة رأساً على عقب.‏

في المبدأ.. لم يسبق لإدارة أميركية أن تعاطت بهذه العدائية المطلقة، سواء ما تعلق منها بالموقف من مجمل القضايا الدولية أم ارتبط بالعلاقات الثنائية مع دول العالم قاطبة، حيث لا تخلو منطقة أو دولة أو معاهدة دولية من إشكالية ناتجة عن السلوك الأميركي، وينسحب الأمر على الاتفاقيات ذات الطابع الثنائي، كما هو على التفاهمات ذات الطابع الدولي، وهو ما يثير جملة أسئلة محورية عن مسار العلاقات الدولية وحدود الفوضى الناتجة عن السلوك الأميركي والأسباب والدوافع التي تقف خلف هذه الممارسات التي تعيد التذكير بإرث عقل الكاوبوي الأميركي.‏

في الإجابة على هذه الأسئلة ثمة حديث مركز عن توجه أميركي واضح لاستخدام فائض القوة الأميركية، التي يعتقد بعض عتاة الإدارة الأميركية أن هذا الفائض لا يمتلك فائضاً من الوقت.. وليس لديه متسع من الزمن نتيجة الضغط المتصاعد من القوى الناشئة على الساحة الدولية، وبروز مراكز استقطاب للقوة تشكل تهديداً مباشراً للاستفراد الأميركي بالقرار الدولي، ولا بد من الإسراع في الاستفادة من مخرجات فائض القوة بشكل يؤخر على الأقل سقوط الأحادية القطبية، ويؤجل إلى حد ما تعدد الأقطاب الذي يأخذ طريقه عملياً إلى السياسة بشكل أوضح من سائر المجالات الأخرى.‏

وتعتمد الإدارة الأميركية على الفجوة الهائلة التي تمتلكها لجهة الإنفاق العسكري العالمي الذي يكاد يكون عشرة أضعاف أقرب منافسيها في هذا المجال، وتضاف عليها فجوة لا تقل عنها في نسب مساهمة أميركا بالاقتصاد العالمي مقارنة ببقية الدول، وهو وفق تفسيرات الطاقم الحربي داخل إدارة الرئيس ترامب كافٍ لتوظيف الفائض منه عسكرياً واقتصادياً بشكل سياسي، وربما استخدامه في مواجهة محاولات تتسارع للتخفيف من السطوة الأميركية.‏

هذا الواقع ليس وليد اللحظة ولا هو نتاج إدارة ترامب، بل تَشَكل عبر تراكم سنوات وعقود، وكان فائض القوة الأميركي أكثر وضوحاً في الماضي منه حاضراً، ومع ذلك فإن ما يجري تداوله على النطاق الأميركي يعكس إلى حد بعيد رؤية فريق يميل بطبعه إلى المواجهة، ويقوم في سياسته على المجابهة، ويعزل نفسه ويحاول أن يعزل أميركا ذاتها، وهو ما ظهرت نتائجه بوضوح في مجلس الأمن حين كانت أميركا وحيدة في الرفض والتأييد، وهو ما لم يحصل منذ عقود طويلة، والذي شكل فشلاً ذريعاً للدبلوماسية الأميركية، حالها في ذلك حال الفشل العسكري الذي يواجهها في حروب الوكالة التي فوضت فيها أدوات كانت عبئاً على الأداء الاميركي أكثر منه عوناً له.‏

وجاءت الصدامات التي افتعلها الرئيس ترامب في قمة السبع الكبار، والمرشحة للتكرار مع بيونغ يانغ، وقبلها فيما يخص الاتفاق النووي حيث فتحت الباب على مصراعيه أمام حالة الفوضى في العلاقات الدولية، لتفتح معها سجالاً أعمق حول الدور الأميركي المستقبلي، انطلاقاً من مشهد التآكل المتواصل للمصداقية الأميركية وشواهدها القادمة من كل حدب وصوب، لتصل في نهاية المطاف إلى تقديم الإجابات العالقة على أسئلة مؤجلة بإن أميركا تواجه إفلاساً يتخطى حدود فائض القوة الذي تمتلكه، حيث بات عبئاً على الأميركيين وساستهم أكثر منه ورقة قوة، خصوصاً حين يكون توظيفه طائشا من قبل إدارة طائشة وفريق الرؤوس الحامية الذي يقودها.‏

العالم يواجه صفيحاً أميركياً ساخناً وينتظر فصولاً لاهبة من المواجهة، حيث الفوضى التي أدارتها الإدارات الأميركية في المنطقة تبدو خياراً تريد تعميمه على العالم، لكن الفرق أنها إذا نجحت في إدارة الخراب والفوضى في المنطقة لسنوات، فإنها عادت اليوم لتجني مشاهد فشلها في غير موقع، والأخطر أنها تقود العالم إلى حيث كان موضع عجزها المزمن، ومن منطلق الصفقات الخاسرة والرابحة، وحين تعمّ فوضى الكاوبوي الأميركي فإن الجميع يخسر وفي المقدمة أميركا، حيث لا تنفع حينها الصفقات ولا يجدي فائض القوة الذي تريد من خلاله ترويض العالم، ولا يمكن التعويل على القمم سواء نجحت أم فشلت...!!‏

 

2018-06-12