بوتين رئيسا لولاية جديدة.. نحو ترسيخ مكانة روسيا على الساحة السياسية الدولية

وزارة الإعلام

ملايين الناخبين الروس الذين أعادوا أمس انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين لولاية رئاسية جديدة وفق النتائج الأولية التي أعلنت مساء اليوم أرادوا إيصال رسالة بأنه “دون بوتين ليس هناك روسيا قوية” حيث شاركوا بكثافة في الانتخابات غير مبالين بالمحاولات الأمريكية والغربية للتشويش على سير الانتخابات والتأثير في الوضع السياسي ببلادهم.

إقبال كبير على التصويت في مراكز الاقتراع داخل روسيا الاتحادية وفي الممثليات الروسية في الخارج منح بموجبها أكثر من 73 بالمئة من الناخبين أصواتهم للرئيس بوتين الذي أعاد إلى مواطنيه الشعور بالعظمة الذي فقدوه بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وأعاد أيضا لروسيا مكانتها على الساحة الدولية دولة عظمى أنهت سياسة القطب الواحد الذي استفردت به الولايات المتحدة في تسعينيات القرن الماضي وتحكمت من خلاله بمصائر دول وشعوب عبر قيامها بدور الشرطي العالمي.

وشارك الناخبون في شبه جزيرة القرم التي انضمت إلى روسيا عام 2014 بكثافة في الانتخابات رغم التصعيدات الدبلوماسية التي كررت فيها الولايات المتحدة اسطوانة المزاعم والاتهامات ذاتها حول شرعية انضمام شبه الجزيرة إلى روسيا بينما منعت السلطات الأوكرانية والجورجية المواطنين الروس على أراضيهما من التصويت فى الانتخابات الرئاسية وهو ما اعتبرته موسكو جريمة دولية وتدخلا مباشرا فى هذه الانتخابات.

ورغم محاولات التدخل الأمريكية والغربية من خلال التأثير في سير الانتخابات بين أوساط المجتمع الروسي إلا أن ثقة ملايين الناخبين بالرئيس بوتين وبالإنجازات التي حققها منذ توليه سدة الرئاسة في عام 2000 دفعتهم لمنحه أصواتهم ليتقدم بفرق كبير على منافسيه السبعة وهم بافل غرودينين عن الحزب الشيوعي وفلاديمير جيرينوفسكي عن الحزب الليبرالي الديمقراطي وسيرغي بابورين عن الاتحاد الوطني وكسينيا سوبتشاك عن المبادرة المدنية ومكسيم سورايكين عن “شيوعيي روسيا” وبوريس تيتوف عن حزب النمو وغريغوري يافلينسكي عن حزب يابلوكو الأمر الذي سيعطيه تفويضا جديدا لست سنوات قادمة لمواصلة نهجه السياسي الراهن فهو الرجل القادر على قيادة روسيا بجدارة خلال الفترة القادمة بما يحقق نهضتها المنشودة.

إذن لم يكن فوز بوتين بولاية جديدة مفاجئا لأحد سواء في الداخل أو الخارج نظرا للإنجازات التي حققها منذ توليه سدة الرئاسة سياسيا واقتصاديا وأمنيا داخليا وخارجيا والتي شكلت حاملا أساسيا اعتمدته أغلبية الناخبين الروس للتصويت بكثافة للرئيس بوتين للاستمرار في قيادة البلاد نحو أفق آخر من التطور والإنجاز حيث يرى المواطنون الروس فيه الرجل القوي لروسيا القوية ويعلقون عليه آمالا كبيرة لمواصلة تنمية روسيا في الداخل وتعزيز سمعتها ونفوذها في الحلبة الدولية.

وبنظرة سريعة لما استطاعت روسيا الاتحادية انجازه في عهد الرئيس بوتين منذ عام 2000 بعد قيامها على انقاض الاتحاد السوفييتي السابق وما عانته من تدهور اقتصادي داخلي ومن اضمحلال لدورها السياسي الخارجي نجد أن الاتحاد الروسي استطاع خلال رئاسة بوتين النهوض الاقتصادي الداخلي في شتى المجالات الأمر الذي عزز موقع موسكو الدولي وساهم ذلك في مد الجسور الدولية سياسيا واقتصاديا الذي تمخض عن انشاء مجموعة دول البريكس عام 2008 التي تضم البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا وروسيا كثقل سياسي واقتصادي دولي في مقابل الأحلاف الغربية المناهضة لعالم متعدد الأقطاب.

كما شكلت عودة روسيا الاتحادية لاعبا دوليا لا يمكن تجاهله في مجمل القضايا العالمية في عهد الرئيس بوتين حافزا للشعب الروسي لتجديد الثقة بتجربته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالتالي فإن الروس صوتوا اليوم لمشروع نهضوي قاده الرئيس بوتين على مدى سنوات مضت لمسوا انجازاته داخليا وخارجيا فكان خيارهم اليوم التأكيد على مواصلة هذا النهج.

فوز بوتين المتوقع بني أساسا على النهج الذي اتبعه خلال فترات حكمه الرئاسية السابقة والهادف إلى إخراج البلاد من الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية العميقة التي هزتها في تسعينيات القرن الماضي وذلك عن طريق إطلاق سلسلة إصلاحات إدارية وقضائية واقتصادية واجتماعية كما كانت إحدى أولوياته استعادة قوة الجيش الروسي بغية رفع القدرات الدفاعية للبلاد وغيرها الأمر الذي عزز ثقة الشعب الروسي بإدارته على مدى سنوات وجوده في الكرملين.

وفي المجال الاقتصادي شهدت روسيا خلال حكمه نموا مطردا حيث أشارت وسائل إعلام دولية إلى ان الاقتصاد الروسي لم يستعد فقط جميع المواقع التي خسرها في التسعينيات فحسب بل تمكن من إنشاء قطاع الخدمات الذي لم يكن في فترة الاتحاد السوفييتي.

ويرى مراقبون أن نهج بوتين الهادف إلى ضمان أمن الدولة وتهيئة الظروف الخارجية الملائمة لتطور روسيا مع التأكيد على عالم متعدد الاقطاب واستعادة شبه جزيرة القرم عقب الأزمة التي افتعلها الغرب مع روسيا عام 2014 والدخول في العملية العسكرية الروسية إلى جانب سورية في الحرب ضد الإرهاب والتي أثمرت انتصارات جمة ضد تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية التي لا تستهدف أمن سورية والمنطقة فقط بل العالم أيضا ومن ثم استعادة الدور الدولي لروسيا عبر تعديل التوازنات في السياسة العالمية وتوسيع علاقات روسيا مع معظم دول العالم ومد اليد للتعاون معها في حل المشكلات الدولية كلها انجازات دفعت بالشعب الروسي الى التصويت بـ “نعم” للرئيس بوتين.

وبالمحصلة فإن الرئيس بوتين تمكن بقوة واقتدار من الحصول على تأييد شعبي كبير بعد نجاح منقطع النظير في أساليب القيادة ودفع الأمور باتجاه لعب موسكو أدوارا فعالة وحساسة على الساحة الدولية بحنكة وخبرة تؤهله للاستمرار على رأس القيادة في الكرملين بتأييد شعبي داخل بلاده وبترحيب من أصدقاء روسيا الدوليين وحلفائها في العالم.

الرئيس بوتين الذي كان أعلن قبل ست سنوات بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية لولاية ثالثة أنه لا يمكن لأحد أن يفرض أي شيء على روسيا يمكنه اليوم وبكل ثقة بعد أن حصل على هذا التأييد الشعبي الواسع أن يوجه رسالة للعالم أجمع وخاصة من يحاول النيل من دور بلاده على الساحة السياسية الدولية بأن روسيا قوية وقادرة على وضع حد للهيمنة واملاء إرادة القطب الواحد على الشعوب والبلدان المستقلة واحلال تعددية الاقطاب والعدالة في العلاقات الدولية.

يشار إلى أن الانتخابات الرئاسية الروسية هي السادسة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي إذ جرت الانتخابات الأولى عام 1996 وشهدت جولة ثانية فاز بها بوريس يلتسين على منافسه غينادي زوغانوف بينما كان الفوز في دورات الانتخابات الرئاسية الأخرى يتحقق منذ الجولة الأولى حيث فاز الرئيس بوتين في انتخابات أعوام 2000 و 2004 و2012 بينما فاز ديميتري ميدفيديف في انتخابات عام 2008 وكانت فترة الولاية الرئاسية أربع سنوات إلى أن تم تعديلها لتصبح ست سنوات في عام 2012.

2018-03-19