الأمم المتحدة السيدة المهمومة!

وزارة الإعلام 

 

عادل سعد

إن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة انعقادها الـ72 هي الآن في الزاوية الحرجة من سقف الموقف السياسي الدولي، وإذا لم تتبلور لها خطوات تعيد بعض الاعتبار للمقاصد النبيلة التي تصدرت ميثاقها العتيد، فإنها بالتأكيد ستظل تمثل تلك السيدة المهمومة المغلوب على أمرها رغم التوصية التي أطلقها جويترس وصفق لها الرئيس الأميركي ترامب.

وهي تلتئم في الدورة الـ(72) لجمعيتها العامة منذ يوم الثلاثاء الماضي التاسع عشر من الشهر الجاري، تتطابق هموم الأمم المتحدة مع هموم سيدة منزل عائلتها مفككة، إن لم أقل إن بعض أفراد هذه العائلة لا يجيدون سوى التهتك والابتزاز وفرض القناعات من خلال التفجيع بالأسلحة الفتاكة، وآخرها التلويح بالرعب النووي ضمن نسخة جديدة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية بعد أن هدأت نسبيا متلازمة هذا الرعب بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد، النعت الرشيق للدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي زائد ألمانيا.
تعقد الدورة الـ(72) للمنظمة الدولية وأمينها العام انطونيو جويترس لم تسجل له وسائل الإعلام أية ابتسامات رضا حقيقية حتى ضمن أجواء يوم تنصيبه لهذه المسؤولية، وإذا كان الأمين العام السابق بان كي مون قد خاض عدة (معارك) وقام بجولات قطع فيها الآلاف من الكيلومترات كان من أشهرها إلى القطب الجنوبي للتعرف على أحزان طائر البطريق، صاحب الإطلالة الكئيبة المعروفة، وغسل يديه بالماء والصابون لإطلاق دعوة دولية للتنظيف مفادها أن ذلك يقلل من خطورة الأيدي في نقل الأمراض، أقول إذا كانت تلك الشخصية الكورية الجنوبية الدمثة قد فعل كل ذلك وخرج من المنظمة (غاسلا) يديه من إمكانية إصلاح الشأن الدولي فإن الأمين العام الجديد ليس أمامه إلا أن يغذي إرادته بما كان عليه الأمناء السابقون الذين أدمنوا السكوت عن الآلام الدولية تحت وطأة سقف الإنجاز الهزيل لمواجهة قضايا ظلت تأكل وتشرب على طاولات العالم من دون أية حلول جذرية حاسمة.
لم تكن الأمم المتحدة ضنينة في ملاحقة كل القضايا الساخنة، لكن المشكلة تكمن في النقص الأخلاقي لهذه المتابعة، إذ لم تنج قضية واحدة في العالم من التدخلات بمصالح وأهداف معروفة لكي لا تأخذ الأمم المتحدة فرصتها في الحل، القائمة هنا تطول ويكفينا فقط أن نشير إلى أكثر من (300) قرار دولي لصالح القضية الفلسطينية دون أن تجد طريقها إلى التطبيق، وفي النسخة الطازجة كيف أن الأمم المتحدة تعرضت إلى ضغوط شديدة لكي تمارس نوعا من التماهي لصالح دوائر إقليمية ودولية ضد الدولة السورية بالمال السياسي وبأهداف مناوئة لشرعية هذه الدولة، بل ينبغي أيضا أن يستوقفنا تماهي الأمم المتحدة في التعامل مع محنة اليمن بما حصل فيه من مذابح وحصارات وإبادة وكوليرا لمدنيين فقراء بشهادة منظمة هيومن رايتش ووتش، وكذلك منظمة العفو الدولية ووثائق مراسلين ومراقبين على خط المتابعة اليومية إلى ما يتعرض له اليمنيون، بل أيضا تماهي الأمم المتحدة في التعامل مع الانتهاكات التي تتعرض لها أقليات، إذ لم تتخذ حتى الآن المنظمة الدولية أية خطوات جريئة فعلا تحمي تلك أقليات من النفوذ المتوحش للمكونات الكبيرة.
وإذا أردنا القياس أيضا على قضايا أخرى أدمنت فيها الأمم المتحدة على تضييع فرصتها في أن تكون عامل سلام وعدل، فيكفينا في ذلك تراجعها أكثر من مرة عن تقارير وتحقيقات أجرتها لجان ومؤسسات تابعة لها على درجة من النزاهة، لكن نفوذ قوى كبرى أدى إلى سحب هذه التقارير وإخفائها في مجرات مظلمة.
إن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة انعقادها الـ72 هي الآن في الزاوية الحرجة من سقف الموقف السياسي الدولي، وإذا لم تتبلور لها خطوات تعيد بعض الاعتبار للمقاصد النبيلة التي تصدرت ميثاقها العتيد، فإنها بالتأكيد ستظل تمثل تلك السيدة المهمومة المغلوب على أمرها رغم التوصية التي أطلقها جويترس وصفق لها الرئيس الأميركي ترامب، الداعية إلى حماية الأمم المتحدة من سوء الإدارة والبيروقراطية، فهي توصية لا تستحق التقدير، لأنها مواربة، والصحيح أن يكون خلاص المنظمة من الفساد وسطوة بعض الدول فهما سبب البلاء.

2017-09-22