سجّل أنا قومي عربي

بقلم: محمد البيرق

سجّل أنا قومي عربي، ورقم بطاقتي 400 مليون نسمة وأربعة عشر مليون كيلومتر مربع، والإباء هو لون خريطتي فهل تغضب؟


وأمتهن إنتاج 24 مليون برميل نفط يومياً، وما يعادل 700 مليون طن من القمح، هذا ماعدا الغاز المسال، وثروات أخرى أساسية على صعيد الأمن المائي، حيث تمر من جغرافيتي ثلاثة من أكبر أنهار العالم، وتضم تضاريسي قناة السويس ومضيق باب المندب وهرمز وجبل طارق.. فكيف منّي لن تغضب، وتجند ضدّي كل الخطط وتعسكر الأهداف لتكون خريطة وطني العربي لنياتك مرمى هدف؟


ولأننا نحسن قراءة تاريخ الصراع في المنطقة العربية، ونجيد تحليل الشخوص الاستعمارية التي «رأس حربتها» الولايات المتحدة الأمريكية التي، فيما مضى، استيقظت على نشوة انتصاراتها وتحقيق حضورها الاستعماري، وعلّقت إعلان خبر انتصارها لتثابر على جني المكاسب بتقديم نفسها على أنها دولة معرضة للتهديد، تشد أزر عواقب إعلانها دول غربية مخدرة بـ«السمّ» الأمريكي، وقد بات الحل الأمثل، في رأيها، لتحقيق فصول عُقَد نقصها الاحتفالي الاستبدادي ألا يقوى خصمها أبداً..


لذلك، من بدهيات خطوات صدّ هجوم استبداد أمريكا وحلفائها وكياناتها وأدواتها أن نرفع من منسوب ردّات الفعل لجواب يجعلهم موقنين بأن الذّات العربية قيد حضور.


سجل أنا قومي عربي
وعروبتي وقوميتي العربية حالة حضارية انبثقت من تطور تاريخي، عناصره ثقافية واجتماعية واقتصادية، وساهم فيها كلُّ من وُجد ضمن أطلس جغرافيتها، ولا استثناءات فيها لدين أو عرق بعينه، وركائزها اللغة والجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة.


وإذا كانت الإرهاصات السياسية العدوانية وصياغتها أحداثاً وفق أيديولوجيتها ممنهجة التنفيذ بمساعدة عوامل داخلية، لكن الشارع العربي مازال نبضه قومياً رغم سياسات بعض الحكومات العربية وجامعة الدول العربية التي عملت ضد مصالح الشعب العربي خدمة لأجندات خارجية تهدف، بعولمتها، لتأطير (الكل) ضمن غلاف استبدادي مالي يقود العالم حسب مصالحه وبإدارته الأمريكية.


لذلك، يكمن هنا دور النخب العروبية والمثقف العربي لدراسة التطبيق العملي لسياسة القومية العربية بمراجعة فكرية وتنظيمية مبنية على جوهر الحضور القومي العربي، مراجعة تعي هيمنة الخطابات الغربية ومنابر «الديمقراطية» العالمية الواهية، التي يجب ألا نفصلها عن ماضيها الاستعماري الذي أنهك الشعوب، وتعلم علم المؤمن من يسيطر على رئاسة منظماتها الحقوقية، لأن الحضور القومي العربي بات السلاح الأهم في مواجهة قوى الشرّ التي تستهدف منطقتنا العربية وتهدد وجودنا وهويتنا والفكرة الجامعة لها، سواء أكان ذلك على مستوى الدولة الوطنية أم الوجود القومي للأمة ككل.


لنتجاسر بردّات الأفعال والمطالبة باعتناق الطرح القومي كغايةٍ بشمولية عنوانه وعدم «خصخصته» بعنوان أحادي يلم شمل تيار أو حزب سياسي فقط.
وليكن الانتماء الاجتماعي والحضاري هما العلامة الفارقة لهوية الجسد العربي الناطق بلغة الضاد لسان حال تاريخه الماضي وحاضره ومستقبله، ولننبذ كل الانتماءات الضيقة والهويات الفرعية فهي أخطر ما يواجه دولنا ومجتمعاتنا، لأنها تتسبب بتشظي أمتنا وتدميرها.


وأياً كان الواقع وإفرازاته التي جعلت البعض يتنكر للعروبة، كردة فعل تولِّـدها سياسات بعض الأنظمة العربية، يجب ألا يكون معطى مستقلاً غير قابل لإعادة التشكل بعد القراءة الملتزمة للرواية الواقعية، وتفكيك مفهومها البسيط والمركب، واستنهاض الهمم لشرح فصول معسكر الشرّ الذي جعل الوطن العربي ساحة لتحقيق أحلامه الاستعمارية… ولأن قدر الأمم الثرية أن تدفع الثمن غالياً، كان واجباً استنفار النضال بكل أصنافه ومستوياته السياسية والعسكرية والثقافية بفرض «إرادة القوة»، التي هي حقُّ الأمة لضبط قانونية حضورها وشرعنة وجودها وحقوقها.. لذلك وأكثر، سجّل أنا قومي عربي.. وإن تغضب؟
 

 

2017-11-19