باختصار: رجل قضية

وزارة الإعلام 

 

زهير ماجد

كنت يافعا يوم مقتل جيفارا الذي يحتفل بمرور خمسين سنة على وفاته .. يومها تأكد لي أن هذا الثائر الذي كان واحدا في شخصه، سوف يتحول الى قضية، قد يشبه القضايا الكبرى مع مرور الوقت، فمن الصعب ان يمر مرور الكرام على الكرة الارضية وهو الذي حبس في داخله عذابات انسانها الى الحد الذي قال فيه ” اينما يكون الظلم يكون موطني ” ، ومسألة الظلم تخص كل الأرض ولا تنقرض بل تحيا باستمرار، لذا فهو ابن وحيد للانسانية، ولهذا كان واضحا ان الظالمين لن يتركوه على قيد الحياة دون عقاب.


من المؤسف القول ان من وشى بمكان وجوده في ادغال بوليفيا هم بعض الفلاحين الذين من اجلهم كل هذا الوفاء لهم. ناقش جلاديه في لحظة اعدامه، ابطال مروا على حياتنا فعلوا مثله في اللحظات الاخيرة، كأنما اختار موته كما نادى ألبير كامي، كان ممددا في حالة طهر لامثيل لها بعدما استقرت الرصاصة في جسده، من اطلقوا النار عليه اصابهم الجنون لاحقا، هم قتلوا انسان شريف، واكثر الناس حبا للانسان وتعلقا به ومن أجله كل هذا الحراك الذي لم يهدأ.


اليوم جيفارا في كل مكان ، رجل يعيش بيننا، يخرج من الصور ناطقا بلغته المعهودة التي دوت في الأمم المتحدة، او تلك التي خاطب فيها جمهوره أي أهل الأرض جميعا ..


انتظرته فلسطين دائما، كل فلسطيني استشهد من اجل فلسطين او مشى اليها ذات يوم وزرع فيها جسده، كان جيفاريا بالضرورة، ليس ممكنا ان تردد ما قاله في الأمم المتحدة ” الوطن او الموت ” وتبقى عادي الملامح وبلا هدف ناطق بقوة الزلزال الذاتي .


يوم التقى بجمال عبد الناصر في مطلع الستينات من القرن الماضي قال له جئنا نتعلم منك الثورية، هذا التواضع عملة الاقوياء في نفوسهم، لكن الزعيمين في ذلك الوقت المتقدم شغلا العالم، حتى كأن ناصر جيفارا المعتقد والعكس هو الصحيح.


بعد خمسين سنة من الشهادة التي عطرت الارض ايضا، صار هو القضية اذن، لعل رفيق كفاحه فيدل كاسترو الذي آمن به، ثم كبرت في مخيلته لحظة قرأ رسالته بعدما ترك موقعه في وزارة المالية الكوبية، فعرف ان هذا الثائر لايعيش خارج مياهه، انه يتنفسها بحلوها ومرها .. وكم اخفق حين اختار المكان الخطأ مثل الكونغو مثلا مسرحا لثورته الدائمة ، ثم كم اكتشف ان مكانه الطبيعي ان يعود الى الحديقة الخلفية للامبريالية الاميركية كما كان يسميها ليحرك تاريخا يدل عليه دائما، فيصبح بالتالي المكان الذي اتخذ أفكاره أو القريب منها على يد موراليس .


من الصعب تقبل فكرة موت جيفارا ، وهو الحاضر في صورة دفاعنا عن وجودنا العربي .. وخصوصا ضد الامبريالية الأميركية التي لم تتغير لا قبله ولا بعده، ظلت ذلك الظالم الذي فرّخ ارهابا على شاكلته.


عندما تذكرت انها الذكرى الخمسين لرحيل جيفارا، تذكرت تجربتي الاولى في كتابة المقالات حين قرأت مقالي البسيط عنه في مجلة لبنانية كانت تصدر في تلك الايام. كانت كلمات منتقاة من روح شاب صغير يريد ان لايبكي ثائرا كان اول كتاب سياسي قرأه في حياته يعود له.

2017-10-11