تركيا والكرد ومعركة الرقة

وزارة الإعلام

 

علي بدوان

 

”لقد عقّد نزول طلائع قوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في الشمال السوري، من خريطة التضاريس العسكرية، مع تأكيد استبعاد واشنطن للدور التركي في المعركة المرتقبة ضد تنظيم الدولة في الرقة، واعتمادها بصورة شبه كلية على وحدات حماية الشعب الكردية الخصم اللدود لأنقرة .ففي الدرباسية والمالكية، أكثر من مجرد عربات ترفع الأعلام الأميركية ويستقبلها عشرات المدنيين.”

التصارع التركي الكردي على المشاركة في العملية العسكرية على مدينة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة السورية، أجَّجَ الحالة المُشتعلة في تلك المنطقة، حيث لا يستبعد قيام تركيا، وعلى الأرجح، بعملية درع فراتٍ جديدة، تستهدف فيها محافظة الرقة وتنظيم (داعش)، بينما رغبة واشنطن تنحو باتجاه دفع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في معركة الرقة، والتي تعتبرها تركيا الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الانفصالي في جنوب تركيا، كما تعتبرها منظمة إرهابية، في الوقت الذي طلب فيه التحالف الدولي ــ أكثر من مرة ـــ من جميع المقاتلين والعناصر الأجانب الذين يقاتلون في صفوف ميليشيات الوحدات الكردية الانسحاب من الوحدات الكردية في سوريا، وقد أعلن عن إسناده ودعمه لقوات (قسد) كما تريد واشنطن.


لقد استتبعت القوات الأميركية إسنادها لقوات (قسد) الكردية السورية، بالدخول المباشر لعدة بلدات سورية كبيرة، كبلدة الدرباسية، وبلدة المالكية، في أقصى الحدود السورية الشمالية الشرقية مع تركيا. كما انتشرت مدرعات عسكرية أميركية مع عدد من مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية (قسد) على طول الحدود بين شمال سوريا وتركيا، إثر القصف التركي الأخير على مواقع وحدات الحماية الكردية. ويبدو في هذا المجال أن زيارة وزير الدفاع التركي الأخيرة لواشنطن، وما تلاها من تفاعلات، لم تأتِ بنتيجة مباشرة، حيث وصلت قوات (قسد) إلى ضواحي مدينة الطبقة في محافظة الرقة السورية الواقعة تحت سيطرة “داعش”، ودخلت معظم أحيائها ومراكزها.


الحملة التي أطلقتها قوات (قسد) الكردية السورية، شمال محافظة الرقة انطلاقًا من بلدة عين عيسى لم تتمكن إلى الآن من تحقيق أي تقدم ملحوظ وحاسم وعملي على حساب تنظيم “داعش” في عموم الرقة، ما عدا مدينة الطبقة، كما تُشير مختلفة المصادر الموثوقة، حيث تَشهَد المنطقة معارك كر وفر بين الطرفين، إذ يعتمد تنظيم داعش بشكلٍ خاص على المُفخخات بينما تعتمد قوات (قسد) على طيران التحالف الدولي وخاصة الطيران الحربي الأميركي المنطلق من قاعدة (أنجرليك).


من هنا، إن التحرك الأميركي في موضوع محافظة الرقة، وفي مسار التداخل التركي الكردي في تلك المنطقة، يأتي وكأنه محاولة لمنع قيام واستفراد الأتراك بأعمال عسكرية ضد قوات (قسد) الكردية، حيث التصعيد التركي الأخير ضد قوات (قسد)، وتحديدًا في المناطق الملاصقة لحدود تلك محافظتي القرة والحسكة الحدود التركية.


وفي جوهر الأمر، إن واشنطن لا تريد أن تعتمد على تركيا في العمل المباشر بشأن محافظة الرقة واخراج تنظيم “داعش” منها، فتركيا لها حساباتها الخاصة والمُتعلقة بالأكراد من وجهة نظر واشنطن، لذلك ترى من الأفضل لها الاعتماد على ميليشيات قوات (قسد) التي يُمكن توجيهها أو توسيع دائرة الاستفادة منها، وبالتالي لا تريد واشنطن أن يكون لها نفوذ في تلك المنطقة، وبالواسطة عبر الدول الإقليمية، وإنما تريده مباشرًا وذلك لا يكون إلا من خلال العلاقات مع ميليشيات (قسد) في تلك المنطقة بالذات من الشمال السوري المُتاخم للحدود مع تركيا، وبالتالي في توجيه الاعتماد على قوات (قسد) مع توفير الدعم اللوجستي الأرضي لها بالعتاد، وتوفير الدعم الناري لها بالقصف الجوي الكثيف ووفق الحاجة الميدانية.


إن الأحداث الأخيرة على الجبهات المُشتعلة في الأرياف الشمالية لمحافظات حلب والرقة والحسكة، والملاصقة للحدود التركية السورية، فاقمت من الخلافات والتباينات الموجودة أصلًا بين تركيا والمجموعات الكردية السورية، وخاصة منها مجموعة (قسد)، إن لم تكن قد أحدثت صدعًا كبيرًا بات من الصعب جسره حتى بوساطة أميركية.


لقد تعمّقت الهوة التركية مع الأحزاب الكردية السورية، عندما تفاهمت الأحزاب الكردية، أو أغلبها، على تشكيل مجلس وطني كردي في سوريا، وكان الهدف من ذلك تمييز الموضوع كقضية كردية قومية في مسارت الأزمة السورية، وهو ما يتعاكس مع الرؤية والرغبة التركية التي ترى الأمور في الأزمة السورية بشكلٍ مغاير.


الولايات المتحدة وتركيا، مختلفتان على مشاركة أكراد سوريا، الذين، رغم أن أنقرة صنفتهم على أنهم إرهابيون، ترى واشنطن أن قوات سوريا الديمقراطية، من بين شركائها الأكثر تأثيرا على الأرض في الحرب ضد الإرهاب. ومع ذلك فواشنطن، ترى بتركيا حليف أساسي، وتسعى إلى التعاون معها، لكن مشكلة تركيا في هذا الملف المتعلق بمحافظة الرقة، يتعلق بدور الأكراد، الذين تتوجس منهم خشية من تمدد مطالبهم الانفصالية عن تركيا التي تضم نحو (15) مليون كردي من مواطنها، يقطنون مناطق واسعة من جنوب شرق البلاد وبتواصل مع أكراد سوريا، لذلك تبدو المعادلة في سوريا معقدة جدًّا، على الرغم من محاولة واشنطن تلبية بعض مطالب أنقرة، وعلى الرغم من أن تركيا حليف قديم للولايات المتحدة.


وبالنتيجة، إن أنقرة تسعى في المقام الأول من مشاركتها في معركة الرقة وعموم معارك خطوط الحدود شمال محافظات الرقة وحلب والحسكة، تقويض أهداف الأكراد في توسيع فيدراليتهم التي يسعون لها، من جهة وقطع الطريق عليهم في وصل الكانتون من خلال السيطرة على تل أبيض، وعدم تمكينهم لإحداث أي تغيير في المنطقة قد يغير من ملامحها لصالح كيان كردي.


لقد عقّد نزول طلائع قوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في الشمال السوري، من خارطة التضاريس العسكرية، مع تأكيد استبعاد واشنطن للدور التركي في المعركة المرتقبة ضد تنظيم الدولة في الرقة، واعتمادها بصورة شبه كلية على وحدات حماية الشعب الكردية الخصم اللدود لأنقرة .ففي الدرباسية والمالكية، أكثر من مجرد عربات ترفع الأعلام الأميركية ويستقبلها عشرات المدنيين. بل معالم واقع على الأرض يجري تظهيره في ظرف استثنائي على سوريا وعلى الجميع.


لكن هل تدوم تلك المشاهد من التداخلات، والتدخلات. هذا ما تحدده الصراعات والتوافقات الإقليمية والدولية من جانب، وإرادة الشعب السوري الواحد الموحد من جانب أخر، حيث الإجماع الوطني السوري على حماية وحدة البلاد والعباد، واستعادة سوريا صحتها وعافيتها، وطنًا واحدًا موحد لجميع أبنائه.

 

2017-05-19