أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير قصي الضحاك أن الاحتلال الإسرائيلي تفوق على ذاته في الوحشية والهمجية وصعد اعتداءاته البربرية على فلسطين ولبنان وسورية لاطمئنانه بوقوف دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن إلى جانبه ومنعها أي تحرك جدي لوقف جرائمه، مشيرا إلى أنه خلال سبعة عقود من الاحتلال لأراض عربية عجزت مئات الاجتماعات والمؤتمرات والقرارات عن إيجاد الحلول التي تحتاجها المنطقة بسبب الدعم الغربي للكيان على حساب أمن دول المنطقة واستقرارها.
وفيما يلي النص الكامل للبيان الذي ألقاه السفير الضحاك أمس خلال جلسة لمجلس الأمن حول الشأنين السياسي والإنساني في سورية: تعاني منطقتنا منذ ما يزيد عن سبعة عقود من الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي العربية في فلسطين وسورية ولبنان، والاعتداءات الوحشية والجرائم الممنهجة التي دأبت سلطات الاحتلال على ارتكابها، كما تعاني منطقتنا أيضاً من السياسات الغربية الداعمة لـ “إسرائيل” على حساب أمن دولنا واستقرارها وحياة ورفاه شعوبها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التشخيص الصحيح هو الخطوة الأولى للتعامل مع ومعالجة أي مشكلة، وبطبيعة الحال فإن التشخيص الخاطئ والتعامي عن جوهر مشكلة ما يؤدي إلى مفاقمتها وإطالة أمدها وزيادة صعوبة حلها.
إن الاحتلال الإسرائيلي وسياسات الدول الداعمة له هما السبب الأساسي فيما تشهده منطقتنا من عدم استقرار، فسبعة عقود ونيف من الاحتلال قابلها عقد المئات من الاجتماعات والمبادرات والمؤتمرات واعتماد القرارات التي عجزت جميعها عن إيجاد الحلول التي تحتاجها المنطقة، لماذا؟ لأن البعض في هذا المجلس وجه قصارى جهده وما يزال لخدمة الاحتلال الإسرائيلي وإطالة أمده، وسخر إمكاناته للتغطية على المجازر وأعمال العدوان التي ترتكبها سلطات الاحتلال، لا بل إنه انخرط بشكل مباشر في استهداف الدول والشعوب التي تناضل لتحرير أراضيها المحتلة واستعادة حقوقها المشروعة المكرسة في القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
إن الاحتلال الإسرائيلي يواصل الإبادة الجماعية في الأراضي الفلسطينية، وعدوانه الآثم على لبنان الشقيق، واعتداءاته المتكررة على سورية، وكلما اعتقد الرأي العام العالمي أنه شهد أعلى مستوى من الوحشية والهمجية، تفوقت سلطات الاحتلال على ذاتها وصعدت اعتداءاتها البربرية لاطمئنانها بأن في هذا المجلس دولة دائمة العضوية اختارت أن تقف على الجانب الخطأ من التاريخ، وأن تحول دون أي حراك جدي وحازم لوقف العدوان وإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة.
لقد مكن دعم الإدارة الأمريكية غير المحدود ومتعدد الأشكال سلطات الاحتلال من تصعيد عدوانها، وزيادة وتيرة اعتداءاتها على الأراضي السورية، والتي استهدفت خلال الأيام الماضية عدداً من الأبنية السكنية في العاصمة دمشق، وذهب ضحيتها مدنيون أبرياء، وروعت السكان الآمنين.
لقد وجه وزير الخارجية والمغتربين قبل يومين رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة وضعه فيها بصورة الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، إذ بلغ عددها 116 اعتداء منذ السابع من تشرين الأول 2023، استهدف الاحتلال خلالها بأحدث أنواع الأسلحة وأكثرها فتكا المدنيين الأبرياء بمن فيهم النساء والأطفال، والمرافق الإنتاجية والخدمية والبنى التحتية وحتى المقار الدبلوماسية، والمعابر الحدودية التي يستخدمها يومياً آلاف القادمين من لبنان الشقيق، وأدت لارتقاء أكثر من 100 شهيد وإلحاق خسائر مادية وأضرار كبيرة في الممتلكات الخاصة والعامة.
إن بلادي تطالب مجلس الأمن بالتحرك الفوري واتخاذ إجراءات حازمة لوقف تلك الاعتداءات، ومساءلة كيان الاحتلال عنها وضمان عدم تكرارها، وتشدد على حقها في الدفاع عن شعبها وأرضها بكل الوسائل التي يكفلها القانون الدولي.
تواصل سورية بذل قصارى جهدها لاستقبال الأشقاء اللبنانيين والعائدين السوريين من لبنان، والذين قارب عددهم حتى تاريخه الـ 500 ألف، وهي تقدم جميع الخدمات اللازمة لهم على الرغم من التحديات الجسيمة التي تواجهها نتيجة الإرهاب وأعمال العدوان، والوجود العسكري الأجنبي غير الشرعي ونهبه الثروات الوطنية، والإجراءات القسرية الانفرادية غير الإنسانية.
لقد اتخذت سورية كل الإجراءات اللازمة لتقديم المساعدة الإنسانية لجميع الوافدين إلى أراضيها من لبنانيين وسوريين ورعايا دول ثالثة، بدءاً من توفير التسهيلات اللازمة لدخولهم، وإقامة مراكز الاستجابة الإنسانية على المعابر الحدودية بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والهلال الأحمر العربي السوري والجمعيات الأهلية السورية، مروراً بتجهيز مراكز الإيواء لاستضافتهم فيها إلى جانب ما وفره المواطنون السوريون من أماكن لاستضافة أشقائهم، وصولا إلى توفير الرعاية الصحية والخدمات الطبية، وتقديم السلل الغذائية والمساعدات الإنسانية وخدمات النقل والاتصالات وغيرها من الخدمات الأساسية.
لقد عاد مئات آلاف السوريين إلى وطنهم، وتم تسهيل دخولهم بغض النظر عن الطريقة التي غادروا فيها، وعما يمتلكونه من وثائق وثبوتيات رسمية، وقدمت لهم بالتعاون مع الشركاء وفي مقدمتهم الجمعيات الأهلية، خدمات الدعم الصحي والنفسي والاجتماعي، كما تم تقديم آلاف الخدمات القانونية المجانية من استشارات واستصدار وثائق رسمية وتدخلات قضائية وإدارية وقانونية بهدف تصحيح الأوضاع القانونية للعائدين، والتعويض عن الوثائق المفقودة، وضمان تسجيل المعاملات وواقعات الأحوال المدنية، إضافة إلى منح إعفاءات من الرسوم وغيرها من التسهيلات والخدمات.
إن تجاوز أعداد العائدين السوريين إلى وطنهم مؤخراً الـ 300 ألف يثبت بشكل لا لبس فيه زيف الادعاءات الغربية حول مسألة العودة، ويؤكد أن العائق الأساسي الذي يحد من معدلات العودة هو تراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والافتقار للخدمات الأساسية، جراء الإجراءات الانفرادية القسرية التي تستهدف السوريين كافة، وتسييس العمل الإنساني وحجب التمويل والإحجام عن دعم الحلول المستدامة، وعن تعزيز مشاريع التعافي المبكر وسبل العيش، وعدم الوفاء بالتعهدات المعلنة، إذ لم يتجاوز مستوى تمويل خطة الاستجابة الإنسانية حتى تاريخه 26 بالمئة، وقد شارف العام على الانتهاء.
لقد استقبلت سورية مؤخراً المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الذي كان شاهداً على ما تبذله سورية من جهود كبيرة للتعامل مع الأزمة الإنسانية المتفاقمة جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان، والتسهيلات المقدمة للعائدين، وتتطلع بلادي لاستجابة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للنداءات التي أطلقها ممثلو المنظمة ووكالاتها لدعم جهودنا المشتركة في الاستجابة الإنسانية.
إن الإرهاب الذي تواجهه سورية كان ولا يزال شكلاً من أشكال العدوان الإسرائيلي على سورية، وامتدادا للإرهاب الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني من قبل سلطات الاحتلال وعصابات المستوطنين، وفي تناغم معهود فقد واكب الاعتداءات الإسرائيلية على بلادي ازدياد ملحوظ في جرائم واعتداءات التنظيمات الإرهابية الموجودة في شمال غرب سورية، والمدرجة على قوائم مجلس الأمن وما يرتبط بها من كيانات وجماعات.
تشدد سورية على حقها وواجبها في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه، وتحمل الإدارة الأمريكية وحلفاءها المسؤولية الكاملة عن الاستثمار في الإرهاب وتوظيفه كأداة لخدمة مصالحها ومصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي، وعن جرائم التنظيمات الإرهابية بحق السوريين بمن فيهم النساء والفتيات والأطفال.
وتحذر بلادي من أن تلك السياسات، ومحاولات تبييض صفحة التنظيمات الإرهابية وتلميع صورتها، تزيد من مخاطر نشر الفكر المتطرف وجسامة التهديد الذي يمثله الإرهاب لأمن واستقرار سورية والمنطقة والعالم.
تبقى بلادي ملتزمة بالتعاون مع المبعوث الخاص بما ينسجم مع ولايته كميسر لعملية يملكها ويقودها السوريون أنفسهم، وفي ضوء الالتزام التام بسيادة سورية واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، وتتطلع لنتائج جهوده لعقد الجولة التاسعة للجنة مناقشة الدستور.